أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَشُدُّوا الْمَنَاطِقَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأُكُفَ بِالْعَرْضِ. وَيُمْنَعُونَ تَقَلُّدَ السُّيُوفِ، وَحَمْلَ السِّلَاحِ وَاِتِّخَاذَهُ. وَأَمَّا الْكُنَى، فَلَا يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَبِي الْقَاسِمِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ، وَشِبْهِهَا، وَلَا يُمْنَعُونَ الْكُنَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ. وَقَالَ: أَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: " أَمَا تَرَى مَا يَقُولُ أَبُو الْخَبَّابِ؟ «. وَقَالَ لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ: أَسْلِمْ أَبَا الْحَارِثِ» . وَقَالَ عُمَرُ لِنَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا حَسَّانَ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ.
[فَصْلٌ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ]
(٧٦٩٤) فَصْلٌ: وَإِذَا عَقَدَ مَعَهُمْ الذِّمَّةَ، كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَعَدَدَهُمْ، وَحِلَّيْهِمْ وَدَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ، أَسْمَرُ أَوْ أَبِيضُ، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ. وَنَحْوَ هَذَا مِنْ صِفَاتِهِمْ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِ، وَيَجْعَلُ لِكُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا يُرَاعِي مَنْ يَبْلُغُ مِنْهُمْ أَوْ يُفِيقُ مِنْ جُنُونٍ، أَوْ يَقْدَمُ مِنْ غَيْبَةٍ، أَوْ يُسْلِمُ، أَوْ يَمُوتُ، أَوْ يَغِيبُ، وَيَجْبِي جِزْيَتَهُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَحْوَطَ لِحِفْظِ جِزْيَتِهِمْ.
[فَصْلٌ لَمْ يَعْرِفْ مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ أَهْل الذِّمَّةِ]
(٧٦٩٥) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ الْإِمَامُ، أَوْ عُزِلَ، وَوَلِيَ غَيْرُهُ، فَإِنْ عَرَفَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَقْدًا صَحِيحًا، أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرَ، وَلَمْ يُجَدِّدُوا عَقْدًا سِوَاهُ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ. وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ، فَشَهِدَ بِهِ مُسْلِمَانِ، أَوْ كَانَ أَمْرُهُ ظَاهِرًا، عَمِلَ بِهِ.
وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ، سَأَلَهُمْ، فَإِنْ ادَّعَوْا الْعَهْدَ بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جِزْيَةً، قَبِلَ قَوْلَهُمْ، وَعَمِلَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَحْلَفَهُمْ اسْتِظْهَارًا، فَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ نَقَضُوا مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، رَجَعَ بِمَا نَقَضُوا، وَإِنْ قَالُوا كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا وَكَذَا جِزْيَةً وَكَذَا وَكَذَا هَدِيَّةً. اسْتَحْلَفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَدْفَعُونَهُ أَنَّهُ جِزْيَةٌ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ، اسْتَأْنَفَ الْعَقْدَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ، فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ.
[مَسْأَلَةٌ هَرَبَ مِنْ ذِمَّتِنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ هَرَبَ مِنْ ذِمَّتِنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ، نَاقِضًا لِلْعَهْدِ عَادَ حَرْبِيًّا) يَعْنِي يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَمَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ، أُبِيحَ مِنْهُ مَا يُبَاحُ مِنْ الْحَرْبِيِّ؛ مِنْ الْقَتْلِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَأَخْذِ الْمَالِ. وَإِنْ هَرَبَ الذِّمِّيُّ بِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، أُبِيحَ مِنْ الْبَالِغِينَ مِنْهُمْ مَا يُبَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يُبَحْ سَبْيُ الذُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ الْبَالِغِينَ دُونَ الذُّرِّيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute