وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ فِطْرٌ لَعُذْرٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ التَّتَابُعُ، كَإِفْطَارِ الْمَرْأَةِ بِالْحَيْضِ، وَفَارَقَ الْفِطْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ. وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ كَانَ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، وَلَمْ تَغِبْ، أَفْطَرَ. وَيَتَخَرَّجُ فِي انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَنْقَطِعْ؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ لَعُذْرٍ. وَالثَّانِي - يَقْطَع التَّتَابُعَ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ فَبَانَ خِلَافُهُ. وَإِنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ، أَوْ جَاهِلًا بِهِ أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ الشَّهْرَيْنِ، انْقَطَعَ التَّتَابُعُ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِجَهْلِهِ، فَقَطَعَ التَّتَابُعَ، كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ الْوَاجِبَ شَهْرٌ وَاحِدٌ. وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، بِأَنْ أَوْجَرَ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ، لَمْ يُفْطِرْ. وَإِنْ أَكَلَ خَوْفًا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُفْطِرُ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُفْطِرُ. فَعَلَى ذَلِكَ هَلْ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، لَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ، فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ. وَالثَّانِي: يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِفِعْلِهِ لَعُذْرٍ نَادِرٍ.
[فَصْلٌ أَفْطَرَ فِي كَفَّارَة الظِّهَار لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ قَطَعَ التَّتَابُعَ بِصَوْمِ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى]
(٦٢٠٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أَفْطَرَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرَيْنِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ قَطَعَ التَّتَابُعَ بِصَوْمِ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ أُخْرَى، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الشَّهْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالتَّتَابُعِ الْمَشْرُوطِ، وَيَقَعُ صَوْمُهُ عَمَّا نَوَاهُ، لِأَنَّ هَذَا الزَّمَانَ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ مُتَعَيَّنٍ لِلْكَفَّارَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي غَيْرِهِ، بِخِلَافِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ. وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، أَخَّرَهُ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ. وَإِنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، أَخَّرَ الْكَفَّارَةَ عَنْهُ، أَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ. وَإِنْ كَانَ أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، كَيَوْمِ الْخَمِيسِ، أَوْ أَيَّامِ الْبِيضِ، قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَضَاهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَفَّى بِنَذْرِهِ لَانْقَطَعَ التَّتَابُعُ، وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ، فَيُفْضِي إلَى أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ التَّكْفِيرِ، وَالنَّذْرُ يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ، فَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا فِي تَأْخِيرِهِ كَالْمَرَضِ.
[مَسْأَلَة أَصَابَ الصَّائِم فِي كَفَّارَة الظِّهَار زَوْجَتَهُ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ]
(٦٢٠٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ أَصَابَهَا فِي لَيَالِي الصَّوْمِ، أَفْسَدَ مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ، وَابْتَدَأَ الشَّهْرَيْنِ) وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٤] . فَأَمَرَ بِهِمَا خَالِيَيْنِ عَنْ وَطْءٍ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا عَلَى مَا أُمِرَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ وَطِئَ نَهَارًا، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ لَا يَخْتَصُّ النَّهَارَ، فَاسْتَوَى فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ كَالِاعْتِكَافِ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهَذَا، وَيَبْنِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute