الْأَوَّلِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَصِحُّ عَفْوُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ إلَّا بِاخْتِيَارِ سَيِّدِهِ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى إيجَابِ الْمَالِ عَلَى سَيِّدِهِ بِإِقْرَارِ غَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ، وَلَا شِبْهِ الْعَمْدِ، وَلَا بِجِنَايَةِ عَمْدٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ، كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي رَقَبَتِهِ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْمَوْلَى. وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِهِ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ مُوجِبُهَا الْقَطْعَ وَالْمَالَ، فَأَقَرَّ بِهَا الْعَبْدُ، وَجَبَ قَطْعُهُ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ بَاقِيًا، أَوْ تَالِفًا فِي يَدِ السَّيِّدِ أَوْ يَدِ الْعَبْدِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي عَبْدٍ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ فِي يَدِهِ أَنَّهُ سَرَقَهَا مِنْ رَجُلٍ، وَالرَّجُلُ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَسَيِّدُهُ يُكَذِّبُهُ: فَالدَّرَاهِمُ لِسَيِّدِهِ، وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ، وَيُتْبَعُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهَانِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ، فَيُدْرَأُ بِهَا الْقَطْعُ، لِكَوْنِهِ حَدًّا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي يُقِرُّ بِسَرِقَتِهَا لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ السَّرِقَةِ فِيهَا، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَطْعِ بِهَا. وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ، وَالْعَبْدُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِحَالٍ، وَلِأَنَّنَا لَوْ قَبِلْنَا إقْرَارَهُ، أَضْرَرْنَا بِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ إذَا شَاءَ أَقَرَّ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَبْطَلَ مِلْكَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ لِرَجُلِ، وَأَقَرَّ هُوَ لِآخَرَ، فَهُوَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ السَّيِّدِ، لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُنْفَرِدًا قُبِلَ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ مُنْفَرِدًا لَمْ يُقْبَلْ، فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُ الْعَبْدِ مُنْفَرِدًا فَكَيْفَ يُقْبَلُ مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ؟ . وَلَوْ قُبِلَ إقْرَارُ الْعَبْدِ، لَمَا قُبِلَ إقْرَارُ السَّيِّدِ، كَالْحَدِّ وَجِنَايَةِ الْعَمْدِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً صَحَّ إقْرَارُهُ، فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ فِيهَا إنْ لَمْ يَفْدِهِ سَيِّدُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَسْعَى فِي الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَجَزَ بَطَلَ إقْرَارُهُ بِهَا، سَوَاءٌ قُضِيَ بِهَا أَوْ لَمْ يُقْضَ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِنَا.
وَعَنْهُ أَنَّهُ مُرَاعًى إنْ أَدَّى لَزِمَهُ، وَإِنْ عَجَزَ بَطَلَ. وَلَنَا، أَنَّهُ إقْرَارٌ لَزِمَهُ فِي كِتَابَتِهِ، فَلَا يَبْطُلُ بِعَجْزِهِ، كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. وَعَلَى الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ، كَالْحُرِّ.
[فَصْل الْإِقْرَارُ لِكُلِّ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ]
(٣٨١٦) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِكُلِّ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ. فَإِذَا أَقَرَّ لِعَبْدٍ بِنِكَاحٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ، صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ، صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مُطَالَبَةٌ بِهِ وَلَا عَفْوٌ. وَإِنْ كَذَّبَهُ الْعَبْدُ، لَمْ يَقْبَلْ. وَإِنْ أُقِرَّ لَهُ بِمَالٍ، صَحَّ، وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ الْمَالَ. صَحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute