فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ خِلَافًا، وَهِيَ كُلُّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى الْعَظْمِ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ هَاهُنَا، لَسَقَطَ حُكْمُ الْآيَةِ، وَفِي مَعْنَى الْمُوضِحَةِ كُلُّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ فِيمَا سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، كَالسَّاعِدِ، وَالْعَضُدِ، وَالسَّاقِ، وَالْفَخِذِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ فِيهَا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] . وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِغَيْرِ حَيْفٍ وَلَا زِيَادَةٍ، لِانْتِهَائِهَا إلَى عَظْمٍ، فَهِيَ كَالْمُوضِحَةِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي الْمُوضِحَةِ لَيْسَ هُوَ الْمُقْتَضِي لِلْقِصَاصِ، وَلَا عَدَمُهُ مَانِعًا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيرُ فِي الْمُوضِحَةِ لِكَثْرَةِ شَيْنِهَا، وَشَرَفِ مَحَلِّهَا؛ وَلِهَذَا قُدِّرَ مَا فَوْقَهَا مِنْ شِجَاجِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْجَائِفَةُ أَرْشُهَا مُقَدَّرٌ، لَا قِصَاصَ فِيهِ.
[فَصْلٌ لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالسَّيْفِ]
(٦٦٨٠) فَصْلٌ: وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالسَّيْفِ، وَلَا بِآلَةٍ يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ، سَوَاءٌ كَانَ الْجُرْحُ بِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا اُسْتُوْفِيَ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ آلَتُهُ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ يُخْشَى التَّعَدِّي إلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَوْفَى مَا دُونَ النَّفْسِ بِآلَتِهِ، وَيُتَوَقَّى مَا يُخْشَى مِنْهُ الزِّيَادَةُ إلَى مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلِأَنَّنَا مَنَعْنَا الْقِصَاصَ بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا تُخْشَى الزِّيَادَةُ فِي اسْتِيفَائِهِ. فَلَأَنْ نَمْنَعَ الْآلَةَ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا ذَلِكَ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مُوضِحَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا، فَبِالْمُوسَى أَوْ حَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَوْفِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ، كَالْجَرَائِحِيِّ وَمَنْ أَشْبَهَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ عِلْمٌ بِذَلِكَ، أُمِرَ بِالِاسْتِبَانَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ، فَيُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ، كَالْقَتْلِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَلِيهِ إلَّا نَائِبُ الْإِمَامِ، أَوْ مِنْ يَسْتَنِيبُهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْعَدَاوَةِ وَقَصْدِ التَّشَفِّي الْحَيْفُ فِي الِاسْتِيفَاءِ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيه، وَرُبَّمَا أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، بِأَنْ يَدَّعِيَ الْجَانِي الزِّيَادَةَ وَيُنْكِرَهَا الْمُسْتَوْفِي.
[فَصْل أَرَادَ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ مُوضِحَةٍ وَشِبْهِهَا]
(٦٦٨١) فَصْلٌ: وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ مُوضِحَةٍ وَشِبْهِهَا، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِهَا شَعْرٌ حَلَقَهُ، وَيَعْمِدُ إلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، فَيَعْلَمُ مِنْهُ طُولَهَا بِخَشَبَةٍ أَوْ خَيْطٍ، وَيَضَعُهَا عَلَى رَأْسِ الشَّاجِّ، وَيُعَلِّمُ طَرَفَيْهِ بِخَطٍّ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَأْخُذُ حَدِيدَةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ الشَّجَّةِ، فَيَضَعُهَا فِي أَوَّلِ الشَّجَّةِ، وَيَجُرُّهَا إلَى آخِرِهَا، وَيَأْخُذُ مِثْلَ الشَّجَّةِ طُولًا وَعَرْضًا، وَلَا يُرَاعِي الْعُمْقَ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ، وَلَوْ رُوعِيَ الْعُمْقُ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute