كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الْأَنْفِ، إذَا أُوعِبَ مَارِنُهُ جَدْعًا الدِّيَةُ» .
وَلِأَنَّ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ ذَلِكَ، فَانْصَرَفَ الْخَبَرُ إلَيْهِ. فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ، فَفِيهِ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ، يُمْسَحُ وَيُعْرَفُ قَدْرُ ذَلِكَ مِنْهُ، كَمَا قُلْنَا فِي الْأُذُنَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُ الْمَنْخِرَيْنِ، فَفِيهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ ثُلُثَاهَا، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا الثُّلُثُ: قَالَ أَحْمَدُ: فِي الْوَتَرَةِ الثُّلُثُ، وَفِي الْخَرَمَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَارِنَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مِنْ جِنْسٍ، فَتَوَزَّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِهَا، كَسَائِرِ مَا فِيهِ عَدَدٌ مِنْ جِنْسٍ، مِنْ الْيَدَيْنِ، وَالْأَصَابِعِ، وَالْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ.
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّ فِي الْمَنْخِرَيْنِ الدِّيَةَ، وَفِي الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا حُكُومَةٌ؛ لِقَوْلِ أَحْمَدَ: فِي كُلِّ زَوْجَيْنِ مِنْ الْإِنْسَانِ الدِّيَةُ. وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْخِرَيْنِ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ لَهُمَا ثَالِثٌ، فَأَشْبَهَا الْيَدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ بِقَطْعِ الْمَنْخِرَيْنِ أَذْهَبَ الْجَمَالَ كُلَّهُ، وَالْمَنْفَعَةَ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْيَدَيْنِ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فِي قَطْعِ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَطَعَ مَعَهُ الْحَاجِزَ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَطَعَ نِصْفَ الْحَاجِزِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، لَمْ يَزِدْ عَلَى حُكُومَةٍ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، فِي قَطْعِ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ وَنِصْفِ الْحَاجِزِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي قَطْعِ جَمِيعِهِ مَعَ الْمَنْخِرِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي قَطْعِ جُزْءٍ مِنْ الْحَاجِزِ أَوْ أَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ بِقَدْرِهِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ، يُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ، فَإِنْ شَقَّ الْحَاجِزَ بَيْنَ الْمَنْخِرَيْنِ، فَفِيهِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ بَقِيَ مُنْفَرِجًا، فَالْحُكُومَةُ فِيهِ أَكْثَرُ.
[فَصْلٌ دِيَة قَطَعَ الْمَارِن مَعَ الْقَصَبَة]
(٦٩١٨) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ الْمَارِنَ مَعَ الْقَصَبَةِ، فَفِيهِ الدِّيَةُ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي الْمَارِنِ، وَحُكُومَةٌ فِي الْقَصَبَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَارِنَ وَحْدَهُ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ، فَوَجَبَتْ الْحُكُومَةُ فِي الزَّائِدِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ وَحْدَهَا مَعَ قَطْعِ لِسَانِهِ. وَلَنَا، قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ، كَالذَّكَرِ إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِهَذَا، وَيُفَارِقُ مَا إذَا قُطِعَ لِسَانُهُ وَقَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ، فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ. وَأَمَّا الْعُضْوُ الْوَاحِدُ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ فِي جَمِيعِهِ مَا يَجِبُ فِي بَعْضِهِ، كَالذَّكَرِ تَجِبُ فِي حَشَفَتِهِ الدِّيَةُ الَّتِي تَجِبُ فِي جَمِيعِهِ، وَأَصَابِعِ الْيَدِ يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْيَدِ مِنْ الْكُوعِ، وَكَذَلِكَ أَصَابِعُ الرِّجْلِ، وَفِي الثَّدْيِ كُلِّهِ مَا فِي حَلَمَتِهِ. فَأَمَّا إنْ قَطَعَ الْأَنْفَ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ اللَّحْمِ، فَفِي اللَّحْمِ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَنْفِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ وَاللَّحْمَ الَّذِي تَحْتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute