وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً؛ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ نُهِيَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْأَذَى، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَحَدِيثُ الْكَفَّارَةِ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: فِي نَفْسِك مِنْهُ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ فُلَانٍ. أَظُنُّهُ قَالَ: عَبْدُ الْحَمِيدِ وَقَالَ: لَوْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّا نَرَى عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَدْ رَوَى النَّاسُ عَنْهُ. فَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي الْكَفَّارَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ مَقْدِرَةٌ تَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ؛ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، أَوْ عَنْ بَعْضِهَا، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ.
[فَصْلٌ فِي قَدْرِ كَفَّارَةِ وَطْءِ الْحَائِضِ]
(٤٧٩) فَصْلٌ: وَفِي قَدْرِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا دِينَارٌ، أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَيَّهُمَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّانِيَةُ، أَنَّ الدَّمَ إنْ كَانَ أَحْمَرَ فَهِيَ دِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ، فَنِصْفُ دِينَارٍ.
وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنْ كَانَ فِي فَوْرِ الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ أَبُو دَاوُد الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ: " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ". وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْحَيْضِ، فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْءٍ وَنِصْفِهِ؟ قُلْنَا: كَمَا يُخَيَّرُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَإِتْمَامِهَا، فَأَيُّهُمَا فَعَلَ كَانَ وَاجِبًا، كَذَا هَاهُنَا.
[فَصْلٌ وَطِئَ بَعْدَ طُهْرِهَا وَقَبْلَ غُسْلِهَا]
(٤٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ طُهْرِهَا، وَقَبْلَ غُسْلِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ. وَلَوْ وَطِئَ فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ، لَزِمَهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، فَثَبَتَ قَبْلَ الْغُسْلِ، كَالتَّحْرِيمِ. وَلَنَا أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ بِهَا الْخَبَرُ فِي الْحَائِضِ، وَغَيْرُهَا لَا يُسَاوِيهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَى الْمَانِعَ مِنْ وَطْئِهَا قَدْ زَالَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ حَائِضًا، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي]
(٤٨١) فَصْلٌ: وَهَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute