[فَصْل قَالَ لِعَبْدِهِ إنَّ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي]
. (٨٦٥٩) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ شِئْت، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ مَتَى شِئْت، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْت، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. فَهُوَ تَدْبِيرٌ بِصِفَةِ، فَمَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ، صَارَ مُدَبَّرًا، يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. فَدَخَلَهَا فِي حَيَاتِهِ. وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ، بَطَلَتْ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ مَاتَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى قَبْلَ دُخُولِ. الدَّارِ. وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْت بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي صِحَّتَهُ، فَعَلَى قَوْلِهِ، يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرَاخِي، فَمَتَى شَاءَ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، عَتَقَ، وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ كَسْبٍ قَبْلَ مَشِيئَتِهِ، فَهُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ قَبِلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُوصَى بِهِ، فَإِنَّ فِي كَسْبِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَكُون لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَهَا هُنَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ قَبْلَ الشَّرْطِ، وَجْهًا وَاحِدًا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي قَوْلِهِ: إذَا شِئْت، أَوْ إنْ شِئْت، فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ تَرَاخَتْ الْمَشِيئَةُ عَنْ الْمَجْلِسِ، بَطَلَتْ، وَلَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَهُ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَك. فَإِنَّ الِاخْتِيَارَ يَقِفُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ. وَإِنْ قَالَ: إنْ شِئْت بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا شِئْت بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ. كَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا، فَمَتَى شَاءَ عَقِيبَ مَوْتِ سَيِّدِهِ، أَوْ فِي الْمَجْلِسِ، صَارَ حُرًّا، وَإِنْ تَرَاخَتْ مَشِيئَتُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ، لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ حُرِّيَّةٌ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ، أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنَّ شِئْت، وَشَاءَ أَبُوك. فَشَاءَا مَعًا. وَقَعَ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ شَاءَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي، أَوْ شَاءَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْآخَرُ عَلَى التَّرَاخِي، وَهَذَا مِثْلُهُ، فَيُخَرَّجُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأُخْرَى.
[فَصْلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَا]
(٨٦٦٠) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا مِتُّ، فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ لَا. أَوْ قَالَ: فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَمْ يَصِرْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَلَمْ يَقْطَعْ بِالْعِتْقِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ.
[فَصْلٌ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ]
(٨٦٦١) فَصْلٌ: وَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ، لَمْ يَسْرِ التَّدْبِيرُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا، أَنَّهُ يَسْرِي تَدْبِيرُهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْعِتْقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ، فَسَرَى ذَلِكَ فِيهِ، كَالِاسْتِيلَادِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute