وَإِنْ خَرَجَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، يَرْجِعُ الثَّلَاثَةُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمْ عَلَى الْآخَرِ؛ فَإِنَّ الْأَخْذَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الدَّفْعِ إلَيْهِمَا وَالنَّائِبِ عَنْهُمَا فِي دَفْعِ الثَّمَنِ إلَيْهِ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ لَهُمْ.
وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ امْتَنَعَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبَاهُ، أَوْ قَالَ: آخُذُ قَدْرَ حَقِّي. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَبْطُلُ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَتَرَكَهُ، فَأَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ. وَالثَّانِي، لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ، وَهُوَ خَوْفُ قُدُومِ الْغَائِبِ، فَيَنْتَزِعُهُ مِنْهُ، وَالتَّرْكُ لِعُذْرٍ لَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَظْهَرَ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا كَثِيرًا، فَتَرَكَ لِذَلِكَ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ.
فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ شُفْعَته تَوَفَّرَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى صَاحِبَيْهِ، فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَوَّلِ. فَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ بِهَا، ثُمَّ رَدَّ مَا أَخَذَهُ بِعَيْبِ، فَكَذَلِكَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا لَا تَتَوَفَّرُ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ لَهُمَا أَخْذُ نَصِيبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْفُ، وَإِنَّمَا رَدَّ نَصِيبَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ.
وَلَنَا أَنَّ الشَّفِيعَ فَسَخَ مِلْكَهُ، وَرَجَعَ إلَى الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَخْذُهُ، كَمَا لَوْ عَفَا. وَيُفَارِقُ عَوْدَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ عَادَ غَيْرَ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الشُّفْعَةُ.
[فَصْلٌ حَضَرَ الثَّانِي بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ فَأَخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ مِنْهُ وَاقْتَسَمَا ثُمَّ قَدِمَ الثَّالِثُ فَطَالِبَ بِالشُّفْعَةِ]
(٤٠٧٦) فَصْلٌ: وَإِذَا حَضَرَ الثَّانِي بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ، فَأَخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ مِنْهُ، وَاقْتَسَمَا، ثُمَّ قَدِمَ الثَّالِثُ، فَطَالَبَ بِالشُّفْعَةِ، وَأَخَذَ بِهَا، بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الثَّالِثَ إذَا أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ، كَانَ كَأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي حَالِ الْقِسْمَةِ، لِثُبُوتِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ قَدِمَ الشَّفِيعُ، كَانَ لَهُ إبْطَالُ الْبَيْعِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ، وَشَرِيكُهُمَا الثَّالِثُ غَائِبٌ؟ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ فِي الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، أَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ، أَوْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ، وَطَالَبَاهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ الْغَائِبِ، فَقَاسَمَهُمَا، وَبَقِيَ الْغَائِبُ عَلَى شُفْعَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُمَا لِلشِّقْصِ، وَحَقُّ الثَّالِثِ ثَابِتٌ فِيهِ؟ قُلْنَا: ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَغَيْرُهُمَا، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ إبْطَالَهُ، كَذَا هَاهُنَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الثَّالِثَ إذَا قَدِمَ فَوَجَدَ أَحَدَ شَرِيكَيْهِ غَائِبًا، أَخَذَ مِنْ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ إنْ قَضَى لَهُ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ، أَخَذَ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ لَهُ، انْتَظَرَ الْغَائِبَ حَتَّى يَقْدَمَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ عُذْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute