[فَصْلٌ طَلَاقُ السَّفِيه]
(٥٨٤٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا السَّفِيهُ، فَيَقَعُ طَلَاقُهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ رَأْي أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَمَنَعَ مِنْهُ عَطَاءٌ. وَالْأَوْلَى صِحَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، مَالِكٌ لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ طَلَاقُهُ كَالرَّشِيدِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ، كَالْمُفْلِسِ.
[مَسْأَلَةٌ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ]
(٥٨٤٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ، لَمْ يَلْزَمْهُ) لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَشُرَيْحٌ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَأَجَازَهُ أَبُو قِلَابَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مِنْ مُكَلَّفٍ، فِي مَحَلٍّ يَمْلِكُهُ، فَيَنْفُذُ، كَطَلَاقِ غَيْرِ الْمُكْرَهِ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْقُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ: فِي إكْرَاهٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْت ابْنَ دُرَيْدٍ وَأَبَا طَاهِرٍ النَّحْوِيَّيْنِ، فَقَالَا: يُرِيدُ الْإِكْرَاهَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ انْغَلَقَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى المبرسم وَالْمَجْنُونُ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ فَيَكُونُ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمٌ، كَكَلِمَةِ الْكُفْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute