فِي إيقَاعِ طَلَاقِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي نَفْيِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا. وَقَعَ بِهِ ثَلَاثٌ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ. وَقَعَ بِهِ ثَلَاثٌ، فَكُمِّلَ النِّصْفُ فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَمْ يُكَمَّلْ فِي النَّفْيِ.
[فَصْلٌ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً]
(٥٩١٠) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ. وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ إلَّا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً. فَإِنَّهُ يَصِحُّ إذَا أَجَزْنَا اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ، فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ اسْتِثْنَاءَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ، وَهِيَ أَكْثَرُهَا؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ عَلَيْهِمَا، بَلْ وَصَلَهُمَا بِأَنْ اسْتَثْنَى مِنْهَا طَلْقَةً، فَصَارَ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُهَا، وَاسْتِثْنَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا جَمِيعُهَا. وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً. لَمْ يَصِحَّ، وَوَقَعَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ، بَقِيَ اثْنَتَانِ، لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُمَا مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَى، فَيَقَعُ الثَّلَاثُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ يَلْغُو؛ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الْجَمِيعِ، فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ: إلَّا وَاحِدَةً إلَى الثَّلَاثِ الْمُثْبَتَةِ، فَيَقَعُ مِنْهَا طَلْقَتَانِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، فَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْ الثَّلَاثِ الْمَنْفِيَّةِ طَلْقَةً، كَانَ مُثْبِتًا لَهَا، فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهَا مِنْ الثَّلَاثِ الْمُثْبَتَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إثْبَاتًا مِنْ إثْبَاتٍ. وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا]
(٥٩١١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَغِيبَ شَمْسُ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمُشْتَرَطَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. فِي شَهْرٍ عَيَّنَهُ، كَشَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ، وَذَلِكَ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ شَهْرُ شَعْبَانَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ وُقُوعَهُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَلَا يَقَعُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الِاحْتِمَالِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَإِذَا وُجِدَ مَا يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ طَلَقَتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِذَا دَخَلَتْ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْهَا طَلَقَتْ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَقْضِكَ حَقَّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَخْرُجَ رَمَضَانُ قَبْلَ قَضَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَاهُ فِي آخِرِهِ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ قَبْلَ الْحِنْثِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ. وَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute