بِهِ غَيْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، فَيَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا نَوَاهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ إذَا قَالَ: وَالرَّبِّ، وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ. كَانَ يَمِينًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ مَعَ التَّعْرِيفِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ، فَأَشْبَهَتْ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ.
الثَّالِثُ، مَا يُسَمَّى بِهِ اللَّهُ - تَعَالَى، وَغَيْرُهُ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ، كَالْحَيِّ، وَالْعَالِمِ، وَالْمَوْجُودِ، وَالْمُؤْمِنِ، وَالْكَرِيمِ، وَالشَّاكِرِ. فَهَذَا إنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَانَ يَمِينًا، وَإِنْ أَطْلَقَ، أَوْ قَصَدَ غَيْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَيَخْتَلِفُ هَذَا الْقِسْمُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ، فَفِي الْأَوَّلِ يَكُونُ يَمِينًا، وَفِي الثَّانِي لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَقَالَ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيُّ، فِي هَذَا الْقِسْمِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِحُرْمَةِ الِاسْمِ، فَمَعَ الِاشْتِرَاكِ لَا تَكُونُ لَهُ حُرْمَةٌ، وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَقْسَمَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، قَاصِدًا بِهِ الْحَلِفَ بِهِ، فَكَانَ يَمِينًا مُكَفَّرَةً، كَالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ. نَقُولُ بِهِ، وَمَا انْعَقَدَ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ إنَّمَا انْعَقَدَ بِالِاسْمِ الْمُحْتَمِلِ، الْمُرَادِ بِهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَيَصِيرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ، كَالْكِنَايَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ غَيْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، لِنِيَّتِهِ.
[فَصْلٌ الْقَسَمُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى]
(٧٩٥٤) فَصْلٌ: وَالْقَسَمُ بِصِفَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى، كَالْقَسَمِ بِأَسْمَائِهِ. وَصِفَاتُهُ تَنْقَسِمُ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، مَا هُوَ صِفَاتٌ لِذَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهَا، كَعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَظَمَتِهِ، وَجَلَالِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَكَلَامِهِ.
فَهَذِهِ تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا، وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ بِالْقَسَمِ بِبَعْضِهَا، فَرُوِيَ أَنَّ النَّارَ تَقُولُ: " قَطُّ قَطُّ، وَعِزَّتِك ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ يَقُولُ: " وَعِزَّتِك، لَا أَسْأَلُك غَيْرَهَا ". وَفِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] .
الثَّانِي، مَا هُوَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ، وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا مَجَازًا، كَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، فَهَذِهِ صِفَةٌ لِلذَّاتِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْلُومِ وَالْمَقْدُورِ اتِّسَاعًا، كَقَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَك فِينَا. وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute