وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، طَهُرَتْ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَصَلَّتْ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ، فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: " قالون. وَهَذَا بِالرُّومِيَّةِ. وَمَعْنَاهُ: جَيِّدٌ. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، انْتَشَرَ، وَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافَهُ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ، وَلَا يَجِيءُ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا أَقَلُّهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
وَهَذَا فِي الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَأَمَّا الطُّهْرُ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ فَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا مَا رَأَتْ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي، وَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ. وَرُوِيَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. لِقَوْلِ عَائِشَةَ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ؛ وَلِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي مَرَّةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى. فَلَا يَثْبُتُ الطُّهْرُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهِ، كَمَا لَوْ انْقَطَعَ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ.
[مَسْأَلَة مَنْ أَطْبَقَ بِهَا الدَّمُ فَكَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ]
(٤٤٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَمَنْ أَطْبَقَ بِهَا الدَّمُ فَكَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ، فَتَعْلَمُ إقْبَالَهُ بِأَنَّهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ، وَإِدْبَارَهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ، تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِي إقْبَالِهِ، فَإِذَا أَدْبَرَ، اغْتَسَلَتْ، وَتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ) قَوْلُهُ: " طَبَّقَ بِهَا الدَّمُ ". يَعْنِي امْتَدَّ وَتَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهَذِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، قَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِاسْتِحَاضَتِهَا، فَتَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الْحَيْضِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ لِتُرَتِّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَهُ، وَلَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: مُمَيِّزَةٍ لَا عَادَةَ لَهَا، وَمُعْتَادَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَمَنْ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ، وَمَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ.
أَمَّا الْمُمَيِّزَةُ: فَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهِيَ الَّتِي لِدَمِهَا إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ، بَعْضُهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ مُشْرِقٌ، أَوْ أَصْفَرُ، أَوْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَيَكُونُ الدَّمُ الْأَسْوَدُ أَوْ الثَّخِينُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَقَلِّهِ، فَحُكْمُ هَذِهِ أَنَّ حَيْضَهَا زَمَانُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ أَوْ الثَّخِينِ أَوْ الْمُنْتِنِ، فَإِنْ انْقَطَعَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، تَغْتَسِلُ لِلْحَيْضِ، وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي، وَذَكَرَ أَحْمَدُ الْمُسْتَحَاضَةَ فَقَالَ: لَهَا سُنَنٌ، وَذَكَرَ الْمُعْتَادَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَسُنَّةٌ أُخْرَى، إذَا جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا تُسْتَحَاضُ فَلَا تَطْهُرُ، قِيلَ لَهَا: أَنْتِ الْآنَ لَيْسَ لَك أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ فَتَجْلِسِينَهَا، وَلَكِنْ اُنْظُرِي إلَى إقْبَالِ الدَّمِ وَإِدْبَارِهِ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ - وَإِقْبَالُهَا أَنْ تَرَى دَمًا أَسْوَدَ يُعْرَفُ - فَإِذَا تَغَيَّرَ دَمُهَا وَكَانَ إلَى الصُّفْرَةِ وَالرِّقَّةِ، فَذَلِكَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ، فَاغْتَسِلِي، وَصَلِّي.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا اعْتِبَارَ بِالتَّمْيِيزِ، إنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالْعَادَةِ خَاصَّةً؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute