[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ]
(٥١١١) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالرَّحِمِ، وَهُوَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَإِنْ فَعَلَ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ أَبَاهُ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ لَمْ يَحْصُلْ إلَى أَبِيهِ، وَإِنَّمَا دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ. وَلَنَا، أَنَّ نَفْعَ زَكَاتِهِ عَادَ إلَى أَبِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ حَصَلَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ مُجَازَاةً وَصِلَةً لِلرَّحِمِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْتَسِبَ لَهُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ، كَنَفَقَةِ أَقَارِبِهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَمْلُوكَ لَهُ عَنْ زَكَاتِهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْ كُلِّ مَالٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي قِيمَتِهِمْ، لَا فِي عَيْنِهِمْ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى مِنْ زَكَاتِهِ أَسِيرًا مُسْلِمًا مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ]
(٥١١٢) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ زَكَاتِهِ أَسِيرًا مُسْلِمًا مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ فَكُّ رَقَبَةٍ مِنْ الْأَسْرِ، فَهُوَ كَفَكِّ رَقَبَةِ الْعَبْدِ مِنْ الرِّقِّ، وَلِأَنَّ فِيهِ إعْزَازًا لِلدِّينِ، فَهُوَ كَصَرْفِهِ إلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَسِيرِ لِفَكِّ رَقَبَتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْغَارِمِ لِفَكِّ رَقَبَتِهِ مِنْ الدَّيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ مَا رَجَعَ مِنْ الْوَلَاءِ رُدَّ فِي مِثْلِهِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَمَا رَجَعَ مِنْ الْوَلَاءِ رُدَّ فِي مِثْلِهِ) يَعْنِي يُعْتَقُ بِهِ أَيْضًا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَقَالَ مَالِكٌ وَلَاؤُهُ لِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ، أَشْبَهَ مَالَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ: يَجْعَلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَوَلَاؤُهُ يَرْجِعُ إلَيْهَا، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ بِمَالٍ هُوَ لِلَّهِ، وَالْمُعْتِقُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشِّرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ، فَلَمْ يَكُنْ الْوَلَاءُ لَهُ.
كَمَا لَوْ تَوَكَّلَ فِي الْإِعْتَاقِ، وَكَالسَّاعِي إذَا اشْتَرَى مِنْ الزَّكَاةِ رَقَبَةً وَأَعْتَقَهَا، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرُ الرِّقِّ، وَفَائِدَةٌ مِنْ الْمُعْتَقِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمُزَكِّي، لِإِفْضَائِهِ إلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِزَكَاتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ.
[فَصْلٌ لَا يَعْقِل عَنْ الْأَسِير الْمُعْتَق]
(٥١١٤) فَصْلٌ: وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَعْقِلُ عَنْهُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute