للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ هِيَ مَعْصِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ، يُزَادُونَ بِهَا عِقَابًا وَإِثْمًا، بِخِلَافِ الْمَسَاجِد. وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي تَحْبِيسَ الْأَصْلِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ مِلْكًا لَازِمًا

وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ. وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ، وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُبَاحَةُ فِي الْأَصْلِ، وَيَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْهُمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ أَوْلَى، وَالْوَقْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ.

[فَصْلٌ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

(٤٤٣٥) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحْتَرَمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، فَجَازَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ، كَالْمُسْلِمِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَقِفَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَتْ عَلَى أَخٍ لَهَا يَهُودِيٍّ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يَقِفَ الذِّمِّيُّ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْلِمِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مِنْ يَنْزِلُ كَنَائِسَهُمْ وَبِيعَهُمْ مِنْ الْمَارَّةِ وَالْمُجْتَازِينَ، صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى الْمَوْضِعِ.

[فَصْلٌ يَنْظُرُ فِي الْوَقْفِ مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ]

(٤٤٣٦) فَصْلٌ: وَيَنْظُرُ فِي الْوَقْفِ مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَ وَقْفَهُ إلَى حَفْصَةَ تَلِيه مَا عَاشَتْ، ثُمَّ إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا. وَلِأَنَّ مَصْرِفَ الْوَقْفِ يُتْبَعُ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِيهِ. فَإِنْ جَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ جَازَ، وَإِنْ جَعَلَهُ إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ لِأَحَدٍ، أَوْ جَعَلَهُ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ نَظَرَ فِيهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَنَفْعُهُ لَهُ، فَكَانَ نَظَرَهُ إلَيْهِ كَمِلْكِهِ الْمُطْلَقِ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ الْحَاكِمُ. اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ هَلْ يَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، عَيْنُهُ وَنَفْعُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ. فَالْحَاكِمُ يَنُوبُ فِيهِ، وَيَصْرِفُهُ إلَى مَصَارِفِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ اللَّهِ، فَكَانَ النَّظَرُ فِيهِ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ، كَالْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ

وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ، فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُتَعَيِّنٌ يَنْظُرُ فِيهِ. وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي النَّظَرَ بِنَفْسِهِ. وَمَتَى كَانَ النَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، إمَّا بِجَعْلِ الْوَاقِفِ ذَلِكَ لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ نَاظِرٍ سِوَاهُ، وَكَانَ وَاحِدًا مُكَلَّفًا رَشِيدًا، فَهُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، كَالطَّلْقِ

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ، حِفْظًا لِأَصْلِ الْوَقْفِ عَنْ الْبَيْعِ أَوْ التَّضْيِيعِ. وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لِجَمَاعَةٍ رَشِيدِينَ، فَالنَّظَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>