للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تُحْدِثَ عِنْدَهُ حَمْلًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَقْ مِنْهُ بِحُرٍّ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ، كَمَا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا. يُحَقِّقُ هَذَا، أَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ مَا أَفَادَ الْحُرِّيَّةَ لِوَلَدِهِ، فَلَأَنْ لَا يُفِيدَهَا الْحُرِّيَّةَ أَوْلَى. وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، فَيَتَحَرَّرُ بِتَحْرِيرِهِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ زِيَادَةِ الْوَلَدِ بِالْوَطْءِ، غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ؛ فَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَادَ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ زَادَ، لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًى مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَوَطِئَهَا، لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ زَادَ الْوَلَدُ بِهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ مَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحُكْمُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقُّ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا]

(٨٨٥٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا: فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُشْتَرِي وَلَا يَبِيعُهُ، وَلَكِنْ يَعْتِقُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَكَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ، عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ . قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يَرِثُونَهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، أَمْ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ» ،. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. يَعْنِي إنْ اسْتَلْحَقَهُ وَشَرَكَهُ فِي مِيرَاثِهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ شَرَكَ فِيهِ؛ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ.

[فَصْلٌ وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ]

(٨٨٥٥) فَصْلٌ: وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا وَتَمَلَّكَهَا، وَلَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ وَطِئَهَا، وَلَا تَعَلَّقَتْ بِهَا حَاجَتُهُ، فَقَدْ مَلَكَهَا الْأَبُ بِذَلِكَ، وَصَارَتْ جَارِيَتَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي جَارِيَتِهِ الَّتِي مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ. وَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: ٦] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] . وَهَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجًا لَهُ، وَلَا مِلْكَ يَمِينِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>