للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ حَدَثَ بِالْمُوصَى بِهِ مَا يُزِيلُ اسْمَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُوصِي]

(٤٦٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا حَدَثَ بِالْمُوصَى بِهِ مَا يُزِيلُ اسْمَهُ، مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْمُوصِي، مِثْلُ إنْ سَقَطَ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ فَصَارَ زَرْعًا، أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَصَارَتْ فَضَاءً، فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ. وَإِنْ كَانَ انْهِدَامُ الدَّارِ لَا يُزِيلُ اسْمَهَا، سُلِّمَتْ إلَيْهِ دُونَ مَا انْفَصَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الِاسْمَ حِينَ الِاسْتِحْقَاقِ يَقَعُ عَلَى الْمُتَّصِلِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ. وَيَتْبَعُ الدَّارَ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ.

[فَصْلٌ جُحُود الْوَصِيَّة]

(٤٦٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْجُحُودِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَالثَّانِي، يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرِيدُ إيصَالَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ. وَإِنْ غَسَلَ الثَّوْبَ، أَوْ لَبِسَهُ، أَوْ جَصَّصَ الدَّارَ، أَوْ سَكَنَهَا، أَوْ أَجَّرَ الْأَمَةَ، أَوْ زَوَّجَهَا، أَوْ عَلَّمَهَا، أَوْ وَطِئَهَا، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ رُجُوعٌ. لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلْخُرُوجِ عَنْ جَوَازِ النَّقْلِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ، وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ يَقِينًا، فَأَشْبَهَ لُبْسَ الثَّوْبِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَتْلَفَهُ، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ.

[فَصْل قَالَ هَذَا ثُلُثِي لِفُلَانِ وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْهُ مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ]

(٤٦٩٠) فَصْلٌ: نَقَلَ الْحَسَنُ بْنُ ثَوَابٍ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ قَالَ: هَذَا ثُلُثِي لِفُلَانٍ، وَيُعْطَى فُلَانٌ مِنْهُ مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ. فَهُوَ لِلْآخَرِ مِنْهُمَا، وَيُعْطَى هَذَا مِائَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنْ مَاتَ وَفَضَلَ شَيْءٌ، رُدَّ إلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ. فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْفَاذِهَا، عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوصِي.

[مَسْأَلَةٌ كَتَبَ وَصِيَّةً وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا]

(٤٦٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً، وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا، حُكِمَ بِهَا، مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا) نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا، فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ، فَوُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يُشْهِدْ فِيهَا، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ، يُقْبَلُ مَا فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْخَطُّ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُشْهِدُ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ حَتَّى يَسْمَعَهَا الشُّهُودُ مِنْهُ، أَوْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ، فَيُقِرَّ بِمَا فِيهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ

؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ رَأَى حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَهُ خَتْمُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ، لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ، وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>