وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبُولِ، وَبَقَاءُ الْحَقِّ لَهُمْ. وَيُفَارِقُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبُولِ مِنْهُ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْبَلَ ثُمَّ يُطَالِبَ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى فِعْلِ مَا يَعْلَمُ بِهِ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.
فَإِذَا طَالَبُوا، ثُمَّ قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ، كَانَتْ الشُّفْعَةُ لَهُ، وَيَفْتَقِرُ إلَى الطَّلَبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ الْأَوَّلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ. وَإِنْ قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَطَالَبَ الْوَرَثَةُ بِالشُّفْعَةِ، فَلَهُمْ الْأَخْذُ بِهَا. وَإِنْ قَبِلَ الْوَصِيُّ أَخَذَ الشِّقْصَ الْمُوصَى بِهِ، دُونَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ الْمُوصَى بِهِ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَخْذَ بِشُفْعَتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَ بِهَا الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ.
وَإِنْ لَمْ يُطَالِبُوا بِالشُّفْعَةِ حَتَّى قَبِلَ الْمُوصِي لَهُ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَحُصُولِ شَرِكَتِهِ. وَفِي ثُبُوتِهَا لِلْوَرَثَةِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ نَصِيبَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا ثُمَّ ارْتَدَّ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ]
(٤٠٩٠) فَصْلٌ: وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ شِقْصًا، ثُمَّ ارْتَدَّ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالشِّرَاءِ، وَانْتِقَالُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَتْلِهِ أَوْ مَوْتِهِ لَا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، أَوْ صَارَ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، لِعَدَمِ وَرَثَتِهِ، وَالْمُطَالِبُ بِالشُّفْعَةِ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ شِقْصًا]
(٤٠٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ شِقْصًا، فَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا، تَبَيَّنَّا أَنَّ شِرَاءَهُ بَاطِلٌ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ، تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ، وَثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَصَرُّفُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِرِدَّتِهِ، فَإِذَا أَسْلَمَ عَادَ إلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ: تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِ. وَمَبْنَى الشُّفْعَةِ هَاهُنَا عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ، وَيُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا، فَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ، انْبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ لِلشِّقْصِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَأَشْبَهَ شِرَاءَهُ لِغَيْرِهِ. وَإِنْ ارْتَدَّ الشَّفِيعُ الْمُسْلِمُ، وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ أَوْ مَاتَ عَلَيْهَا، انْتَقَلَ مَالُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ طَالَبَ بِالشُّفْعَةِ، انْتَقَلَتْ أَيْضًا إلَى الْمُسْلِمِينَ، يَنْظُرُ فِيهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.
وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ طَلَبِهَا، بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ. وَلَوْ مَاتَ الشَّفِيعُ الْمُسْلِمُ، وَلَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا سِوَى بَيْتِ الْمَالِ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ مَاتَ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَإِلَّا فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute