الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبٍ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ «، جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي سَرَقْت جَمَلًا لِبَنِي فُلَانٍ فَطَهِّرْنِي. فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا افْتَقَدْنَا جَمَلًا لَنَا. فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُطِعَتْ يَدُهُ. قَالَ ثَعْلَبَةُ: أَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ وَقَعَتْ يَدُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي طَهَّرَنِي مِنْك، أَرَدْت أَنْ تُدْخِلِي جَسَدِي النَّارَ» . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.
[فَصْلٌ ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ فَأَنْكَرَ]
(٧٣٢٠) فَصْلٌ: وَمَنْ ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ، فَأَنْكَرَ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إنْكَارِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُوهُ لِي أَنِّي سَرَقْت مِنْهُ. لَمْ يُحْلَفْ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ، وَفِي إحْلَافِهِ عَلَيْهَا قَدْحٌ فِي الشَّهَادَةِ. وَإِنْ قَالَ: الَّذِي أَخَذْتُهُ مِلْكٌ لِي، كَانَ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةً، أَوْ رَهْنًا، أَوْ ابْتَعْتُهُ مِنْهُ، أَوْ وَهَبَهُ لِي، أَوْ أَذِنَ لِي فِي أَخْذِهِ، أَوْ غَصَبَهُ مِنِّي، أَوْ مِنْ أَبِي، أَوْ بَعْضُهُ لِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ ثَبَتَتْ لَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى السَّارِقِ، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَ، وَلِهَذَا أَحْلَفْنَا الْمَسْرُوقَ مِنْهُ، وَإِنْ نَكَلَ، قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ. وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَطْعِ بِدَعْوَاهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَجِبَ قَطْعُ سَارِقٍ، فَتَفُوتَ مَصْلَحَةُ الزَّجْرِ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِفْضَاؤُهُ إلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ لَا يَمْتَنِعُ اعْتِبَارُهُ، كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا شُرُوطًا لَا يَقَعُ مَعَهَا إقَامَةُ حَدٍّ بِبَيِّنَةٍ أَبَدًا، عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَيْهِ لَازِمًا، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْ السُّرَّاقِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هَذَا، وَلَا يَهْتَدُونَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِعِلْمِ هَذَا الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ لَا يَسْرِقُونَ غَالِبًا. وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، قُضِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ الْحَدُّ، وَجْهًا وَاحِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute