للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّأْيِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ لَا يُكَلَّفُ حَالَ نِسْيَانِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ، كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ مَعَ النِّسْيَانِ، كَالْإِتْلَافِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ عَلَى شَرْطٍ، فَيُوجَدُ بِوِجْدَانِ شَرْطِهِ، كَالْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ فَتَأَوَّلَ فِي يَمِينِهِ]

(٨٠١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا حَلَفَ، فَتَأَوَّلَ فِي يَمِينِهِ، فَلَهُ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا، لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُك» مَعْنَى التَّأْوِيلِ، أَنْ يَقْصِدَ بِكَلَامِهِ مُحْتَمَلًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ، نَحْوَ أَنْ يَحْلِفَ إنَّهُ أَخِي، يَقْصِدُ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ الْمُشَابَهَةَ، أَوْ يَعْنِي بِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَبِالْبِسَاطِ وَالْفِرَاشِ الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ، وَبِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ، أَوْ يَقُولَ: مَا رَأَيْت فُلَانًا. يَعْنِي مَا ضَرَبْت رِئَتَهُ. وَلَا ذَكَرْتُهُ. يُرِيدُ مَا قَطَعْت ذَكَرَهُ. أَوْ يَقُولَ: جَوَارِيَّ أَحْرَارٌ. يَعْنِي سُفُنَهُ. وَنِسَائِي طَوَالِقُ. يَعْنِي نِسَاءَ الْأَقَارِبِ مِنْهُ.

أَوْ يَقُولَ: مَا كَاتَبْت فُلَانًا، وَلَا عَرَفْته، وَلَا أَعْلَمْته، وَلَا سَأَلْته حَاجَةً، وَلَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً، وَلَا فَرُّوجَةً، وَلَا شَرِبْت لَهُ مَاءً، وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ وَلَا حَصِيرٌ، وَلَا بَارِيَةٌ وَيَنْوِي بِالْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبَةَ الرَّقِيقِ، وَبِالتَّعْرِيفِ جَعْلَهُ عَرِيفًا، وَبِالْإِعْلَامِ جَعْلَهُ أَعْلَمَ الشَّفَةِ، وَالْحَاجَةِ شَجَرَةً صَغِيرَةً، وَالدَّجَاجَةِ الْكَنَّةَ مِنْ الْغَزْلِ، وَالْفَرُّوجَةِ الدُّرَّاعَةَ، وَالْفُرُشِ صِغَارَ الْإِبِلِ، وَالْحَصِيرِ الْحَبْسَ، وَالْبَارِيَةِ السِّكِّينَ الَّتِي يُبْرَى بِهَا. أَوْ يَقُولَ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةٌ، وَلَا شَيْءٌ. يَعْنِي بِ " مَا " " الَّذِي ". أَوْ يَقُولَ: مَا فُلَانٌ هَاهُنَا. وَيَعْنِي مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ. أَوْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَلَا أَخَذْت مِنْهُ. يَعْنِي الْبَاقِيَ بَعْدَ أَخْذِهِ وَأَكْلِهِ.

فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِمَّا يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ خِلَافُهُ، إذَا عَنَاهُ بِيَمِينِهِ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَالِفِ الْمُتَأَوِّلِ، مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا؛ أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، مِثْلَ مَنْ يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ عَلَى شَيْءٍ، لَوْ صَدَقَهُ لَظَلَمَهُ، أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، أَوْ نَالَ مُسْلِمًا مِنْهُ ضَرَرٌ.

فَهَذَا لَهُ تَأْوِيلُهُ. قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَحْمَدَ، عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ، اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَاطِمَةُ، فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَحَلَفَ بِطَلَاقِ فَاطِمَةَ، وَنَوَى الَّتِي مَاتَتْ؟ قَالَ: إنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ لَهُ ظَالِمًا، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ صَاحِبِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْمُطَلِّقُ هُوَ الظَّالِمَ، فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي اسْتَحْلَفَ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، فَحَلَفْت أَنَّهُ أَخِي، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «أَنْتَ أَبَرُّهُمْ وَأَصْدَقُهُمْ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» . يَعْنِي سَعَةَ الْمَعَارِيضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>