للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَغْشُوشِ مِنْ الْأَثْمَانِ، قَلَّ الْغِشُّ أَوْ كَثُرَ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْغِشُّ أَقَلِّ مِنْ النِّصْفِ، جَازَ، وَإِنْ كَثُرَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْغَالِبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِ. وَلَنَا، أَنَّهَا مَغْشُوشَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْغِشُّ أَكْثَرَ، وَلِأَنَّ قِيمَتَهَا تَزِيدُ وَتَنْقُصُ، أَشْبَهَتْ الْعُرُوضَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاعْتِبَارُ بِالْغَالِبِ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْفِضَّةَ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ، لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُهَا فِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغِشُّ قَلِيلًا جِدًّا لِمَصْلَحَةِ النَّقْدِ، كَيَسِيرِ الْفِضَّةِ فِي الدِّينَارِ، مِثْلُ الْحَبَّةِ وَنَحْوِهَا، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الرِّبَا، وَلَا فِي غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ الشَّرِكَةُ بِالْفُلُوسِ]

(٣٦٣٠) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْفُلُوسِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ إذَا كَانَتْ نَافِقَةً؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا أَرَى السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّرْفَ. وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ، فَجَازَتْ الشَّرِكَةُ بِهَا، كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.

وَيَحْتَمِلُ جَوَازُ الشَّرِكَةِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، نَافِقَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ نَافِقَةٍ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهَا تُنْفَقُ مَرَّةً وَتَكْسُدُ أُخْرَى، فَأَشْبَهَتْ الْعُرُوضَ، فَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الشَّرِكَةِ بِهَا، فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ نَافِقَةً كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً، كَانَتْ قِيمَتُهَا كَالْعُرُوضِ.

[فَصْلٌ لَا يَجُوز أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ مَجْهُولًا]

(٣٦٣١) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ مَجْهُولًا، وَلَا جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّجُوعِ بِهِ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ الْجَهْلِ وَالْجُزَافِ. وَلَا يَجُوزُ بِمَالٍ غَائِبٍ، وَلَا دَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ.

(٣٦٣٢) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا اتِّفَاقُ الْمَالَيْنِ فِي الْجِنْسِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي مَالٍ وَاحِدٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَلْطَ الْمَالَيْنِ شَرْطٌ، وَلَا يُمْكِنُ إلَّا فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ. وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، فَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ فِيهِمَا، كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَمَتَى تَفَاصَلَا، رَجَعَ هَذَا بِدَنَانِيرِهِ، وَهَذَا بِدَرَاهِمِهِ، ثُمَّ اقْتَسَمَا الْفَضْلَ.

نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: يَرْجِعُ هَذَا بِدَنَانِيرِهِ، وَهَذَا بِدَرَاهِمِهِ. وَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>