للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْفَسْخَ فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ رَاضٍ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَتَرْكِهَا لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا

وَالثَّانِي، أَنَّ الْفَسْخَ ثُمَّ لِمَعْنَى قَارَنَ الْعَقْدَ، وَهُوَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ، وَالْفَسْخُ هَاهُنَا لِسَبَبٍ حَادِثٍ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ اسْتِرْجَاعَ الْعَيْنِ الزَّائِدَةِ. وَقَوْلهمْ: إنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ فِي الْعَيْنِ لِكَوْنِهِ يَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّرَرُ بِالْقِيمَةِ - لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ انْدِفَاعَ الضَّرَرِ عَنْهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلزِّيَادَةِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، كَمُشْتَرِي الْمَعِيبِ

ثُمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْنِ زَائِدَةً؛ لِكَوْنِ الزِّيَادَةِ مُسْتَحَقَّةً، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ كَوْنُ الزِّيَادَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، بَلْ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، فَمَنْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِ زِيَادَةٍ لَيْسَتْ لَهُ، أُولَى مِنْ تَفْوِيتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَصِلُوا إلَى تَمَامِ دُيُونِهِمْ، وَالْمُفْلِسِ الْمُحْتَاجِ إلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ عِنْدَ اشْتِدَادِ حَاجَتِهِ

(٣٤٢٣) فَصْلٌ: وَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عَلَى صِفَتِهِ، لَيْسَ بِزَائِدٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ آخَرُ، وَهَاهُنَا قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ حُقُوقُ الْغُرَمَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَلَفُ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَانِعًا مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْمُفْلِسِ، وَلَا بِالْغُرَمَاءِ، فَلَأَنْ يَمْنَعَ الزِّيَادَةَ فِيهِ مَعَ تَفْوِيتِهَا بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ فِي النَّاقِصِ، فَمَا رَجَعَ إلَّا فِيمَا بَاعَهُ وَخَرَجَ مِنْهُ، وَإِذَا رَجَعَ فِي الزَّائِدِ، أَخَذَ مَا لَمْ يَبِعْهُ، وَاسْتَرْجَعَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ، فَكَانَ بِالْمَنْعِ أَحَقَّ.

[فَصْلٌ الْمَبِيعُ زَادَ زِيَادَة مُنْفَصِلَة]

(٣٤٢٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَالْكَسْبِ

، فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَسَوَاءٌ نَقَصَ بِهَا الْمَبِيعُ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ، إذَا كَانَ نَقْصَ صِفَةٍ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ الرُّجُوعَ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، لِكَوْنِهَا لِلْمُفْلِسِ، فَالْمُنْفَصِلَةُ أَوْلَى. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْ أَحْمَدَ، فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ، وَنِتَاجِ الدَّابَّةِ: هُوَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ، فَكَانَتْ لِلْبَائِعِ كَالْمُتَّصِلَةِ. وَلَنَا، أَنَّهَا زِيَادَةٌ انْفَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَتْ لَهُ، كَمَا لَوْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ، وَلِأَنَّهُ فَسْخٌ اسْتَحَقَّ بِهِ اسْتِرْجَاعَ الْعَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، كَفَسْخِ الْبَيْعِ بِالْعَيْبِ أَوْ الْخِيَارِ أَوْ الْإِقَالَةِ، وَفَسْخِ النِّكَاحِ بِسَبَبِ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّمَاءَ وَالْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ، فَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهَا لِلْمُفْلِسِ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى كَوْنِ الْمُنْفَصِلَةِ لَهُ

ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا ثَمَّ، فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُتَّصِلَةَ تَتْبَعُ فِي الْفُسُوخِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ لِظُهُورِهِ، وَكَلَامُ أَحْمَدَ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>