[فَصْل الْمَحْصِرَ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ]
(٢٤٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أُحْصِرَ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فِي الْحَجِّ الصَّحِيحِ، فَالْفَاسِدُ أَوْلَى. فَإِنْ حَلَّ، ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ. وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أُفْسِدَ الْحَجُّ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
[مَسْأَلَة الْمَحْصَرَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ]
(٢٤٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْصَرَ، إذَا عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ، انْتَقَلَ إلَى صَوْمِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ بَدَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ. وَلَنَا، أَنَّهُ دَمٌ وَاجِبٌ لِلْإِحْرَامِ، فَكَانَ لَهُ بَدَلٌ، كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ، وَتَرْكُ النَّصِّ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ قِيَاسَهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ إلَى صِيَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، كَبَدَلِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ إلَّا بَعْدَ الصِّيَامِ، كَمَا لَا يَتَحَلَّلُ وَاجِدُ الْهَدْيِ إلَّا بِنَحْرِهِ.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ مَعَ ذَبْحِ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْهَدْيِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَشْرُطْ سِوَاهُ. وَالثَّانِيَةُ، عَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَفِعْلُهُ فِي النُّسُكِ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَلَعَلَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحَلَّاق نُسُكٌ أَوْ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ، عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[فَصْل لَا يَتَحَلَّلُ الْمَحْصِر إلَّا بِالنِّيَّةِ]
(٢٤٣٥) فَصْلٌ: وَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا، فَيَحْصُلُ الْحِلُّ بِشَيْئَيْنِ؛ النَّحْرُ، أَوْ الصَّوْمُ وَالنِّيَّةُ، إنْ قُلْنَا الْحِلَاقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ نُسُكٌ. حَصَلَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ الْحِلَاقُ مَعَ مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ اعْتَبَرْتُمْ النِّيَّةَ هَاهُنَا، وَهِيَ فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَيَحِلُّ مِنْهَا بِإِكْمَالِهَا، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمَحْصُورِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إكْمَالِهَا، فَافْتَقَرَ إلَى قَصْدِهِ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِ الْحِلِّ، فَلَمْ يَتَخَصَّصْ إلَّا بِقَصْدِهِ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلنُّسُكِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِهِ.
[فَصْل نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ لَمْ]
(٢٤٣٦) فَصْلٌ: فَإِنْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ الْهَدْيِ أَوْ الصِّيَامِ، لَمْ يَتَحَلَّلْ، وَكَانَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ أَوْ يَصُومَ؛ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مُقَامَ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلَمْ يَحِلَّ قَبْلَهُمَا، كَمَا لَا يَتَحَلَّلُ الْقَادِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ قَبْلَهَا. وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي نِيَّةِ الْحِلِّ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْعِبَادَةِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ فِدْيَتُهُ، كَمَا لَوْ فَعَلَ الْقَادِرُ ذَلِكَ قَبْلَ أَفْعَالِ الْحَجِّ.