[مَسْأَلَة الشُّهُود فِي الْأَمْوَالِ]
(٨٣٣٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الْمَالَ كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالدُّيُونِ كُلِّهَا، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ كَالْبَيْعِ، وَالْوَقْفِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالصُّلْحِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ؛ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ، وَعَمْدِ الْخَطَأِ، وَالْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ، كَالْجَائِفَةِ، وَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الشِّجَاجِ، يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَثْبُتُ الْجِنَايَةُ فِي الْبَدَنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ، فَأَشْبَهَتْ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمَالُ، فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ، وَفَارَقَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ. وَالْمَالُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ.
وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: ٢٨٢] . إلَى قَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ.
[فَصْلٌ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ]
(٨٣٣٧) فَصْلٌ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَشُرَيْحٍ، وَإِيَاسَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُقْضَى بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: مَنْ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، نَقَضْت حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] . فَمَنْ زَادَ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ زَادَ فِي النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ نَسْخٌ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . فَحَصَرَ الْيَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا حَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي.
وَلَنَا، مَا رَوَى سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.» رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " سُنَنِهِ "، وَالْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَمَسْرُوقٍ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: إسْنَادُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute