«حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ» .
قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ وَصَّى، حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْوَصِيَّةِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ فِي الرَّجُلِ: يُوَصِّي وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا النِّسَاءُ. قَالَ: أُجِيزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَثْبَتَ الْوَصِيَّةَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ، إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ الرِّجَالُ. قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ فِي حِلِّ الْمَسْأَلَةِ، لَا فِي الْإِعْسَارِ. (٨٣٣٥) فَصْلٌ: وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَلِئَلَّا يَثْبُتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ أَوْلَى. قَالَ أَحْمَدُ، وَمَالِكٌ، فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، لَا يَقَعُ فِي حَدٍّ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا عَتَاقَةٍ، وَلَا سَرِقَةٍ، وَلَا قَتْلٍ.
وَقَدْ قَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَأَتَى بِشَاهِدٍ، حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَصَارَ حُرًّا. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ فِي شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ، ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ حَقَّهُ مِنْهُ، وَكَانَا مُعْسِرَيْنِ عَدْلَيْنِ: فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَصِيرَ حُرًّا، أَوْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَيَصِيرَ نِصْفُهُ حُرًّا. فَيَخْرُجَ مِثْلُ هَذَا فِي الْكِتَابَةِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْوَصِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَيَكُونَ فِي الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ، مَا خَلَا الْعُقُوبَاتِ الْبَدَنِيَّةَ، وَالنِّكَاحَ، وَحُقُوقَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ الْقَاضِي: الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَشَرْت جِبْرِيلَ فِي الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَأَشَارَ عَلَيَّ فِي الْأَمْوَالِ، لَا تُعِدَّ ذَلِكَ» . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؟» قَالَ: نَعَمْ فِي الْأَمْوَالِ. وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِ غَيْرِهِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، بِإِسْنَادِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute