(٨٦٨٦) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ مِنْهُ الرُّجُوعُ. إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ مِنْ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، صَحَّ رُجُوعُهُ، كَالْمُكَلَّفِ. وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ، قَامَ وَلِيُّهُ فِي بَيْعِهِ مَقَامَهُ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي بَيْعِهِ، فَبَاعَهُ، صَحَّ مِنْهُ.
[فَصْلٌ تَدْبِيرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ وَوَصِيَّتُهُ]
(٨٦٨٧) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، وَوَصِيَّتُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّبِيِّ. وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَجْنُونِ، وَلَا تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ. وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا، وَيُفِيقُ يَوْمًا، صَحَّ تَدْبِيرُهُ فِي إفَاقَتِهِ.
[فَصْلٌ تَدْبِيرُ الْكَافِرِ]
(٨٦٨٨) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ الْكَافِرِ؛ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا، فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا صَحِيحًا، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، كَالْمُسْلِمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مِلْكُهُ صَحِيحًا، لَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. قُلْنَا: هَذَا لَا يُنَافِي الْمِلْكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ فِي النِّكَاحِ، وَيَمْلِكُ زَوْجَتَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَائِهِ، أُخِذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَحُكْمُ تَدْبِيرِهِ حُكْمُ تَدْبِيرِ الْمُسْلِمِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ، أُمِرَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَبْقَى الْكَافِرُ مَالِكًا لِلْمُسْلِمِ، كَغَيْرِ الْمُدَبَّرِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُتْرَكَ فِي يَدِ عَدْلٍ، وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، أُجْبِرَ سَيِّدُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّ فِي بَيْعِهِ إبْطَالَ سَبَبِ الْعِتْقِ، وَإِزَالَةَ غَرَضِيَّتِهِ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَصْلَحَ، فَتَعَيَّنَ، كَأُمِّ الْوَلَدِ. فَإِنْ قُلْنَا بِبَيْعِهِ، فَبَاعَهُ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: يُتْرَكُ فِي يَدِ عَدْلٍ. فَإِنَّهُ يَسْتَنِيبُ مَنْ يَتَوَلَّى اسْتِعْمَالَهُ وَاسْتِكْسَابَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَمَا فَضَلَ فَلِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِنَفَقَتِهِ، فَالْبَاقِي عَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ اتَّفَقَ هُوَ وَسَيِّدُهُ عَلَى الْمُخَارَجَةِ، جَازَ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِمَّا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ، عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَبِيعَ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا كُفَّارًا. وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْمَوْتِ، تُرِكَ. وَإِنْ رَجَعَ سَيِّدُهُ فِي تَدْبِيرِهِ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ، بِيعَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ كَمُسْتَأْمَنٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ، لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّنَا نَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّمَكُّنِ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute