وَأَمَّا ذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ، فَذَكَرَ الشَّرِيفُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُؤْخَذُ بِهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا، لِأَنَّ الْعِنِّينَ لَا يَطَأُ وَلَا يُنْزِلُ، وَالْخَصِيُّ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَا يُنْزِلُ، وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ، فَهُمَا كَالْأَشَلِّ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصٌ، فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ الْكَامِلُ، كَالْيَدِ النَّاقِصَةِ بِالْكَامِلَةِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُؤْخَذُ غَيْرُهُمَا بِهِمَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ صَحِيحَانِ، يَنْقَبِضَانِ وَيَنْبَسِطَانِ، وَيُؤْخَذُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا، كَذَكَرِ الْفَحْلِ غَيْرِ الْعِنِّينِ، وَإِنَّمَا عَدَمُ الْإِنْزَالِ لِذَهَابِ الْخُصْيَةِ، وَالْعُنَّةُ لَعِلَّةٍ فِي الظَّهْرِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الْقِصَاصِ بِهِمَا، كَأُذُنِ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُؤْخَذُ ذَكَرُ الْفَحْلِ بِالْخَصِيِّ؛ لِتَحَقُّقِ نَقْصِهِ، وَالْإِيَاسِ مِنْ بُرْئِهِ. وَفِي أَخْذِهِ بِذَكَرِ الْعِنِّينِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُؤْخَذُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَيْئُوسٍ مِنْ زَوَالِ عُنَّتِهِ، وَلِذَلِكَ يُؤَجَّلُ سَنَةً، بِخِلَافِ الْخَصِيِّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ فَإِنَّهُ إذَا تَرَدَّدَتْ الْحَالُ بَيْن كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ وَعَدَمِهِ، لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، سِيَّمَا وَقَدْ حَكَمْنَا بِانْتِفَاءِ التَّسَاوِي، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عُنَّتِهِ، وَثُبُوتِ عَيْبِهِ. وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ بِمِثْلِهِ؛ لِتَسَاوِيهِمَا، كَمَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ.
(٦٦٩٦) فَصْلٌ: وَيُؤْخَذُ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْأَجْزَاءِ دُونَ الْمِسَاحَةِ، فَيُؤْخَذُ النِّصْفُ بِالنِّصْفِ، وَالرُّبْعُ بِالرُّبْعِ، وَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ.
[مَسْأَلَةٌ الْأُنْثَيَانِ بِالْأُنْثَيَيْنِ]
(٦٦٩٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْأُنْثَيَانِ بِالْأُنْثَيَيْنِ) وَيَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ النَّصِّ وَالْمَعْنَى. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ قَطَعَ إحْدَاهُمَا، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، إنَّهُ مُمْكِنٌ أَخْذُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْأُخْرَى جَازَ. فَإِنْ قَالُوا: لَا يُؤْمَنُ تَلَفُ الْأُخْرَى. لَمْ تُؤْخَذْ خَشْيَةَ الْحَيْفِ، وَيَكُونُ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ أُمِنَ تَلَفُ الْأُخْرَى، أُخِذَتْ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِهِمَا.
[فَصْلٌ الْقِصَاصِ فِي شَفْرَيْ الْمَرْأَةِ]
(٦٦٩٨) فَصْلٌ: وَفِي الْقِصَاصِ فِي شَفْرَيْ الْمَرْأَةِ وَجْهَانِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute