للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالْفَسْخِ بِالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ، إذَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، لَا تَجِبُ بِهِ مُتْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ نِصْفِ الْمُسَمَّى، فَسَقَطَتْ فِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ، كَمَا تَسْقُطُ الْأَبْدَالُ بِمَا يُسْقِطُ مُبْدَلَهَا.

[فَصْلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ وَهَبَ لَهَا غُلَامًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ]

(٥٦٠٦) فَصْلٌ: قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ وَهَبَ لَهَا غُلَامًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. قَالَ: لَهَا الْمُتْعَةُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْقَضِي بِهَا الْمُتْعَةُ، كَمَا لَا يَنْقَضِي بِهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَلِأَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تَنْقَضِي بِالْهِبَةِ، كَالْمُسَمَّى.

[مَسْأَلَة الْمُتْعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ]

(٥٦٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، فَأَعْلَاهُ خَادِمٌ، وَأَدْنَاهُ كُسْوَةٌ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ أَنْ يُزِيدَهَا، أَوْ تَشَاءَ هِيَ أَنْ تُنْقِصَهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ، فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَالْوَجْهُ الْآخِرُ قَالُوا: هُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مُعْتَبَرٌ بِهَا، كَذَلِكَ الْمُتْعَةُ الْقَائِمَةُ مَقَامَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُجْزِئُ فِي الْمُتْعَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَمَا يُجْزِئُ فِي الصَّدَاقِ ذَلِكَ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَلَوْ أَجْزَأَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ سَقَطَ الِاخْتِلَافُ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِحَالِ الْمَرْأَةِ لَمَا كَانَ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، إذَا ثَبَتَ هَذَا فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا؛ فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَعْلَاهَا خَادِمٌ، هَذَا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا مَتَّعَهَا كُسْوَتَهَا دِرْعًا وَخِمَارًا وَثَوْبًا تُصَلِّي فِيهِ.

وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْلَى الْمُتْعَةِ الْخَادِمُ ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ النَّفَقَةُ، ثُمَّ دُونَ ذَلِكَ الْكُسْوَةُ. وَنَحْوُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَدْنَاهَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، قَالُوا: دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُرْجَعُ فِي تَقْدِيرِهَا إلَى الْحَاكِمِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَرِد الشَّرْعُ بِتَقْدِيرِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ، كَسَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>