وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ. قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ شَيْءٌ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَلْقَاهُ الْبَحْرُ. وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ. رَوَاهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ.
وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ، فَلَمْ يَأْتِ فِيهِ سُنَّةٌ عَنْهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَعْدِنِ الْبَرِّ؛ لِأَنَّ الْعَنْبَرَ إنَّمَا يُلْقِيه الْبَحْرُ، فَيُوجَدُ مُلْقًى فِي الْبَرِّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ الْبَرِّ، كَالْمَنِّ وَالزَّنْجَبِيلِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَأَمَّا السَّمَكُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِحَالٍ، فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً، إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ. وَقَالَ: لَيْسَ النَّاسُ عَلَى هَذَا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَعْمَلُ بِهِ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَصَيْدِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهَا فِيهِ.
[فَصْل الْمَعَادِنُ الْجَامِدَةُ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا]
(١٩١٢) فَصَلِّ: وَالْمَعَادِنُ الْجَامِدَةُ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَهِيَ كَالتُّرَابِ وَالْأَحْجَارِ الثَّابِتَةِ، بِخِلَافِ الرِّكَازِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ، قَالَ: «أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا أَرْضَ كَذَا، مِنْ مَكَانِ كَذَا إلَى كَذَا، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ جَبَلٍ أَوْ مَعْدِنٍ. قَالَ: فَبَاعَ بَنُو بِلَالٍ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا، فَخَرَجَ فِيهَا مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا: إنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ، وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعْدِنَ. وَجَاءُوا بِكِتَابِ الْقَطِيعَةِ الَّتِي قَطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِيهِمْ فِي جَرِيدَةٍ، قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَمْسَحُهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لِقَيِّمِهِ: اُنْظُرْ مَا اسْتَخْرَجْت مِنْهَا، وَمَا أَنْفَقْت عَلَيْهَا، فَقَاصِّهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ الْفَضْلَ.» فَعَلَى هَذَا مَا يَجِدُهُ فِي مِلْكٍ أَوْ فِي مَوَاتٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَعْدِنٍ فِي مَوَاتٍ، فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ مَا دَامَ يَعْمَلُ، فَإِذَا تَرَكَهُ جَازَ لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ فِيهِ. وَمَا يَجِدُهُ فِي مَمْلُوكٍ يَعْرِفُ مَالِكَهُ، فَهُوَ لِمَالِكِ الْمَكَانِ.
فَأَمَّا الْمَعَادِنُ الْجَارِيَةُ، فَهِيَ مُبَاحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا: تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ نَمَائِهَا وَتَوَابِعِهَا، فَكَانَتْ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، كَفُرُوعِ الشَّجَرِ الْمَمْلُوكِ وَثَمَرَتِهِ.
[فَصْلُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالصَّاغَةِ]
(١٩١٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالصَّاغَةِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِجِنْسِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا. وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. وَقَدْ رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute