للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْدُو عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ، فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْعُمُومِ. وَفَارَقَ مَا أُبِيحَ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِيحَ قَتْلُهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِهِ تَخْصِيصُ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: (وَكُلَّ مَا عَدَا عَلَيْهِ أَوْ آذَاهُ) .

يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَبْدَأُ الْمُحْرِمَ، فَيَعْدُو عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، فَهَذَا لَا جُنَاحَ عَلَى قَاتِلِهِ، سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْسٍ طَبْعُهُ الْأَذَى، أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ السَّبُعَ إذَا بَدَأَ الْمُحْرِمَ، فَقَتَلَهُ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا كَانَ طَبْعُهُ الْأَذَى وَالْعُدْوَانَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَذًى فِي الْحَالِ. قَالَ مَالِكٌ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ، مَا عَقَرَ النَّاسَ وَعَدَا عَلَيْهِمْ، مِثْلُ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ. فَعَلَى هَذَا يُبَاحُ قَتْلُ كُلِّ مَا فِيهِ أَذًى لِلنَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ فِي أَمْوَالِهِمْ، مِثْلُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا، الْمُحَرَّمِ أَكْلُهَا، وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ، كَالْبَازِي، وَالْعُقَابِ، وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهَيْنِ، وَنَحْوِهَا، وَالْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ، وَالزُّنْبُورِ، وَالْبَقِّ، وَالْبَعُوضِ، وَالْبَرَاغِيثِ، وَالذُّبَابِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَقْتُلُ مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَالذِّئْبَ، قِيَاسًا عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْخَبَرَ نَصَّ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عَلَى صُورَةٍ مِنْ أَدْنَاهُ، تَنْبِيهًا عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، وَدَلَالَةً عَلَى مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا، فَنَصُّهُ عَلَى الْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْبَازِي وَنَحْوِهِ، وَعَلَى الْفَأْرَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْحَشَرَاتِ، وَعَلَى الْعَقْرَبِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْحَيَّةِ، وَعَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ تَنْبِيهٌ عَلَى السِّبَاعِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ، وَلَا بِقِيمَتِهِ، لَا يُضْمَنُ، كَالْحَشَرَاتِ.

[فَصْل مَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ وَلَا يُؤْكَلُ كَالرَّخَمِ وَالدِّيدَانِ فَلَا أَثَر لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِيهِ]

(٢٣٩٧) فَصْلٌ: وَمَا لَا يُؤْذِي بِطَبْعِهِ، وَلَا يُؤْكَلُ كَالرَّخَمِ، وَالدِّيدَانِ، فَلَا أَثَرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ فِيهِ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ إنْ قَتَلَهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْرُمُ قَتْلُهَا، وَإِنْ قَتَلَهَا فَدَاهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبُعٍ لَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ. وَإِذَا وَطِئَ الذُّبَابَ وَالنَّمْلَ أَوْ الذَّرَّ، أَوْ قَتَلَ الزُّنْبُورَ، تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ.

وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ فِي الصَّيْدِ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَيْدٍ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الصَّيْدُ مَا جَمَعَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ، فَيَكُونُ مُبَاحًا وَحْشِيًّا مُمْتَنِعًا. وَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَلَا قِيمَةَ، وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَرَدَ بَعِيرَهُ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ نَزَعَ الْقُرَادَ عَنْهُ، وَرَمَاهُ.

وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لِعِكْرِمَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ: قُرِدَ الْبَعِيرُ. فَكَرِهَ ذَلِكَ. فَقَالَ: قُمْ فَانْحَرْهُ. فَنَحَرَهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أُمَّ لَك، كَمْ قَتَلْت فِيهَا مِنْ قُرَادٍ وَحَلَمَةٍ وَحَمْنَانَة؟ يَعْنِي كِبَارَ الْقُرَادِ. رَوَاهُ كُلَّهُ سَعِيدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>