أَحْمَدَ، فِي مَنْ جَرَحَ رَجُلًا خَطَأً فَعَفَا الْمَجْرُوحُ. فَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ. قَالَ: وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ لَقَاتِلٍ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، كَالذِّمِّيِّ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ إذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ، بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ، فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ وَصَّى لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ، صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ طَرَأَ الْقَتْلُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، أَبْطَلَهَا جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ أَحْمَدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ، فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا، لِأَنَّهُ يُبْطِلُ مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْقَتْلَ إنَّمَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ، لِكَوْنِهِ بِالْقَتْلِ اسْتَعْجَلَ الْمِيرَاثَ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ فَعُورِضَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَهُوَ مَنْعُ الْمِيرَاثِ، دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ قَتْلِ الْمَوْرُوثِينَ، وَلِذَلِكَ بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالْقَتْلِ الطَّارِئِ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْقَتْلِ الطَّارِئِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا اسْتَعْجَلَهَا بِقَتْلِهِ. وَفَارَقَ الْقَتْلَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ اسْتِعْجَالَ مَالٍ، لِعَدَمِ انْعِقَادِ سَبَبِهِ، وَالْمُوصِي رَاضٍ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ بَعْدَ صُدُورِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي هَذَا، كَمَا لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بِذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ، وَعَلَى هَذَا مَتَى دَبَّرَ عَبْدَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ إيَّاهُ، صَحَّ تَدْبِيرُهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ. أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، فَهُوَ حُرٌّ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَيَخْرُجُ الْحُرُّ بِالْقُرْعَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَكَانَ التَّعْيِينُ إلَى الْمُعْتِقِ كَالْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ: أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا. وَلَنَا، أَنَّهُ عِتْقٌ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، فَكَانَ إخْرَاجُهُ بِالْقُرْعَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَحَدُهُمَا، وَدَلِيلُ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. فَأَمَّا الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ أَحَدٌ، إنَّمَا اُسْتُحِقَّ عَلَى الْمُكَفِّرِ التَّكْفِيرُ. وَأَمَّا إذَا قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي عَبْدًا. فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى عَبِيدِهِ، وَلَا إلَى جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ، فَهُوَ كَالْمُعْتَقِ فِي الْكَفَّارَةِ. وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبِيدِي. احْتَمَلَ أَنْ نَقُولَ بِإِخْرَاجِهِ بِالْقُرْعَةِ كَمَسْأَلَتِنَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ. وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ مَا لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ، هَلْ يُعْطَى أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ، أَوْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ؟ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَالْفَرْقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute