للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَاب الْقَضَاء]

ِ الْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] . وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] .

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: ٤٨] . وقَوْله تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] .

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فِي آيٍ وَأَخْبَارٍ سِوَى ذَلِكَ كَثِيرَةٍ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ نَصْبِ الْقَضَاءِ، وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ.

(٨٢١٥) فَصْلٌ: وَالْقَضَاءُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّاسِ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ، فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ، كَالْجِهَادِ وَالْإِمَامَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ حُقُوقُ النَّاسِ، وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ أَجْرًا مَعَ الْخَطَأِ، وَأَسْقَطَ عَنْهُ حُكْمَ الْخَطَأِ، وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَنُصْرَةَ الْمَظْلُومِ، وَأَدَاءَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّهِ، وَرَدًّا لِلظَّالِمِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَإِصْلَاحًا بَيْنَ النَّاسِ، وَتَخْلِيصًا لَبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْقُرَبِ؛ وَلِذَلِكَ تَوَلَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، فَكَانُوا يَحْكُمُونَ لِأُمَمِهِمْ، وَبَعَثَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، وَبَعَثَ أَيْضًا مُعَاذًا قَاضِيًا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَأَنْ أَجْلِسَ قَاضِيًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ عِبَادَةِ سَبْعِينَ سَنَةً. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «جَاءَ خَصْمَانِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: اقْضِ بَيْنَهُمَا. قُلْت: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ كَانَ. قُلْت: عَلَامَ أَقْضِي قَالَ: اقْضِ، فَإِنْ أَصَبْت فَلَكَ عَشَرَةُ أُجُورٍ، وَإِنْ أَخْطَأْت فَلَكَ أَجْرٌ وَاحِدٌ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>