للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَغَايُرِهِمَا، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ وَالْآخَرُ بِدِينَارٍ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكْمُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إيجَابًا بِالْحَقِّ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَلَا إيجَابَ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ.

فَأَمَّا إنْ شَهِدَ بِكُلِّ فِعْلٍ شَاهِدَانِ، وَاخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ، أَوْ الْمَكَانِ، أَوْ الصِّفَةِ، ثَبَتَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، لَوْ انْفَرَدَتْ أَثْبَتَتْ الْحَقَّ، وَشَهَادَةُ الْأُخْرَى لَا تُعَارِضُهَا؛ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهُ، كَقَتْلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَتَتَعَارَضُ الْبَيِّنَتَانِ، لِعِلْمِنَا أَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَيَّتُهُمَا هِيَ، بِخِلَافِ مَا يَتَكَرَّرُ وَيُمْكِنُ صِدْقُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيهِ، فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا يَثْبُتَانِ إنْ ادَّعَاهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ إلَّا إحْدَاهُمَا، ثَبَتَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ دُونَ مَا لَمْ يَدَّعِهِ. وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَسْوَدَ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْكِيسَ غَدْوَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيًّا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَتَعَارَضَانِ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. كَمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ قَتْلًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَا تَعَارُضَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صِدْقُ الْبَيِّنَتَيْنِ، بِأَنْ يَسْرِقَ عِنْدَ الزَّوَالِ كِيسَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، فَتَشْهَدَ كُلُّ بَيِّنَةٍ بِأَحَدِهِمَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْرِقَ كِيسًا غَدْوَةً ثُمَّ يَعُودَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَسْرِقَهُ عَشِيًّا، وَمَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ لَا تَعَارُضَ. فَعَلَى هَذَا، إنْ ادَّعَاهُمَا الْمَشْهُودُ لَهُ، ثَبَتَا لَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْكِيسُ الْمَشْهُودُ بِهِ حَسْبُ؛ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِعْلَيْنِ، لَكِنَّهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَلَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ ضَمَانِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَشْهُودُ لَهُ إلَّا أَحَدَ الْكِيسَيْنِ، ثَبَتَ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْآخَرُ؛ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ إيَّاهُ. وَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ بِسَرِقَةِ كِيسٍ فِي يَوْمٍ، وَشَهِدَ آخَرُ بِسَرِقَةِ كِيسٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا فِي مَكَان، وَشَهِدَ آخَرُ بِسَرِقَةٍ فِي مَكَان آخَرَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِغَصْبِ كِيسٍ أَبِيضَ، وَشَهِدَ آخَرُ بِغَصْبِ كِيسٍ أَسْوَدَ، فَادَّعَاهُمَا الْمَشْهُودُ لَهُ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُحْكَمَ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ إلَّا أَحَدَهُمَا، ثَبَتَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْآخَرُ؛ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ إيَّاهُ.

[فَصْل الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ]

(٨٤٤٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي يَوْمَ الْخَمِيسِ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَتَلَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، أَوْ غَصَبَهُ كَذَا، أَوْ أَنَّ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَذَا، وَيَشْهَدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي بِهَذَا يَوْمَ السَّبْتِ بِحِمْصَ، كَمَلَتْ شَهَادَتُهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَكْمُلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ إقْرَارٍ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ، فَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْفِعْلِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ وَاحِدٌ، وَقَدْ شَهِدَ اثْنَانِ بِالْإِقْرَارِ بِهِ، فَكَمُلَتْ شَهَادَتُهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِهِمَا وَاحِدًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>