[فَصْل شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى شَاهِدَيْ أَصْلٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ]
(٨٤٦٧) فَصْلٌ: وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَا فَرْعٍ عَلَى شَاهِدَيْ. أَصْلٍ، فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدَا الْفَرْعِ، فَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ. لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. وَإِنْ رَجَعَ شَاهِدَا الْأَصْلِ وَحْدَهُمَا، لَزِمَهُمَا الضَّمَانُ أَيْضًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ الْقَاضِي، أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْفَرْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا جَعَلَا شَهَادَةَ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ شَهَادَةً، لَمْ يَلْزَمْ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ ضَمَانٌ، لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا. وَلَنَا، أَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْأَصْلِ؛ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِ عَدَالَتِهِمَا، فَإِذَا رَجَعَا، ضَمِنَا، كَشَاهِدَيْ الْفَرْعِ.
[فَصْل حُكْمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ فَرَجَعَ الشَّاهِدُ]
(٨٤٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ، غَرِمَ جَمِيعَ الْمَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُهُ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ حُجَّتَيْ الدَّعْوَى، فَكَانَ عَلَيْهِ النِّصْفُ كَمَا لَوْ كَانَا شَاهِدَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةُ الدَّعْوَى، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَالشَّاهِدَيْنِ. يُحَقِّقهُ أَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُ الْخَصْمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى مُطَالَبَتِهِ الْحَاكِمَ بِالْحُكْمِ، وَبِهَذَا يَنْفَصِلُ عَمَّا ذَكَرُوهُ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا حُجَّةٌ، لَكِنْ إنَّمَا جَعَلَهَا حُجَّةً شَهَادَةُ الشَّاهِدِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى شَهَادَتِهِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ إلَّا النِّصْفُ الْمَحْكُومُ بِهِ، إذَا قُلْنَا: تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي.
[فَصْل رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ]
(٨٤٦٩) فَصْل: وَإِذَا رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَقَالُوا: عَمَدْنَا. وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، لَمْ يُعَزَّرُوا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُغْنِي عَنْ تَعْزِيرِهِمْ. وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ، عُزِّرُوا، وَغَرِمُوا؛ لِأَنَّهُمْ جَنَوْا جِنَايَةً كَبِيرَةً، وَارْتَكَبُوا جَرِيمَةً عَظِيمَةً، وَهِيَ شَهَادَةُ الزُّورِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُعَزَّرُوا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ تَوْبَةٌ مِنْهُمْ، فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ التَّعْزِيرُ، وَلِأَنَّ شَرْعِيَّةَ تَعْزِيرِهِمْ تَمْنَعُهُمْ الرُّجُوعَ خَوْفًا مِنْهُ، فَلَا يُشْرَعُ.
وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا. لَمْ يُعَزَّرُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] . هَذَا إنْ كَانَ قَوْلُهُمْ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ فِي الْخَطَإِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ، عُزِّرُوا، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمْ.
[مَسْأَلَة حَكَمَ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فِي قَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ وَأَنْفَذِ ذَلِكَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ]
(٨٤٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا قَطَعَ الْحَاكِمُ يَدَ السَّارِقِ، بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ، أَوْ فَاسِقَانِ، كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ فِي بَيْتِ الْمَالِ)