فَأَشْبَهَ الشَّعْرَ النَّابِتَ فِي عَيْنِهِ، وَالصَّيْدَ الصَّائِلَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَصَّ أَكْثَرَ مِمَّا انْكَسَرَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِذَلِكَ الزَّائِدِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الشَّعْرِ أَكْثَرِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُدَوَّاةِ قُرْحَةٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِقَصِّ أَظْفَارِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، صَاحِبُ مَالِكٍ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ إزَالَتُهُ لِضَرَرِ فِي غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ حَلْقَ رَأْسِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ قَمْلِهِ. وَإِنْ وَقَعَ فِي أَظْفَاره مَرَضٌ، فَأَزَالَهَا لِذَلِكَ الْمَرَضِ، فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَزَالَهَا لِإِزَالَةِ مَرَضِهَا، فَأَشْبَهَ قَصَّهَا لِكَسْرِهَا.
[مَسْأَلَة لَا يَنْظُرُ الْمُحْرِم فِي الْمِرْآةِ لِإِصْلَاحِ شَيْءٍ]
(٢٣٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ لِإِصْلَاحِ شَيْءٍ) يَعْنِي لَا يَنْظُرُ فِيهَا لِإِزَالَةِ شُعْثٍ، أَوْ تَسْوِيَةِ شَعْرٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الزِّينَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمِرْآةِ، وَلَا يُصْلِحُ شُعْثًا، وَلَا يَنْفُضُ عَنْهُ غُبَارًا.
وَقَالَ أَيْضًا: إذَا كَانَ يُرِيدُ بِهِ زِينَةً فَلَا. قِيلَ: فَكَيْفَ يُرِيدُ زِينَةً؟ قَالَ: يَرَى شَعْرَةً فَيُسَوِّيهَا. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: «إنَّ الْمُحْرِمَ الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ» .
وَفِي آخَرَ: «إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ» . أَوْ كَمَا جَاءَ لَفْظُ الْحَدِيثِ. فَإِنْ نَظَرَ فِيهَا لِحَاجَةٍ، كَمُدَاوَاةِ جُرْحٍ، أَوْ إزَالَةِ شَعْرٍ يَنْبُتُ فِي عَيْنِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَ الشَّرْعُ لَهُ فِعْلَهُ، فَلَا بَأْسَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَدَبٌ لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ. لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ فِي الْمِرْآةِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ.
[مَسْأَلَة الزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الطِّيب إذَا جُعِلَ فِي مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ لَمْ يُبَحْ لِلْمُحْرِمِ تَنَاوُلُهُ]
(٢٣٦٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ مَا يَجِدُ رِيحَهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّعْفَرَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الطِّيبِ، إذَا جُعِلَ فِي مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ، فَلَمْ تَذْهَبْ رَائِحَتُهُ، لَمْ يُبَحْ لِلْمُحْرِمِ تَنَاوُلُهُ، نِيئًا كَانَ أَوْ قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَكَانَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرَوْنَ بِمَا مَسَّتْ النَّارُ مِنْ الطَّعَامِ بَأْسًا، سَوَاءٌ ذَهَبَ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ، أَوْ بَقِيَ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّبْخِ. اسْتَحَالَ عَنْ كَوْنِهِ طِيبًا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ بِأَكْلِ الخشكنانج الْأَصْفَرِ بَأْسًا، وَكَرِهَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَلَنَا، أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ، وَالتَّرَفُّهَ بِهِ، حَاصِلٌ مِنْ حَيْثُ الْمُبَاشَرَةُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ نِيئًا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطِّيبِ رَائِحَتُهُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَقَوْلُ مَنْ أَبَاحَ الخشكنانج الْأَصْفَرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ رَائِحَةٌ، فَإِنَّ مَا ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ وَطَعْمُهُ، وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا اللَّوْنُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، سِوَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute