وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِيهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَهَا عَنْهُمْ إنَّمَا كَانَ لِمَشَقَّةِ السَّعْيِ، فَإِذَا تَكَلَّفُوا وَحَصَلُوا فِي الْجَامِعِ، زَالَتْ الْمَشَقَّةُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، كَغَيْرِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَعَادَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ ظُهْرًا) يَعْنِي مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ، لَمْ يَصِحَّ، وَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا؛ لِأَنَّهَا الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهَا مَعَهُ صَلَّاهَا، وَإِنْ فَاتَتْهُ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهَا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ صَلَّى، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ فَرْضُ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا الْجُمُعَةُ بَدَلٌ عَنْهَا، وَقَائِمَةٌ مَقَامَهَا، وَلِهَذَا إذَا تَعَذَّرَتْ الْجُمُعَةُ صَلَّى ظُهْرًا، فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَدْ أَتَى بِالْأَصْلِ، فَأَجْزَأَهُ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ، فَإِنْ سَعَى بَطَلَتْ ظُهْرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْعَ، أَجْزَأَتْهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ صَلَّى مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَرَكَ مَا خُوطِبَ بِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ، وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْجُمُعَةِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الظُّهْرُ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعِيدًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ السَّعْيِ إلَيْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُخَاطَبَ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ فِي الْوَقْتِ بِصَلَاتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ، وَلَا يَأْثَمُ بِفِعْلِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ الظُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْوَاجِبُ مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ دُونَ مَا لَمْ يَأْثَمْ بِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الظُّهْرَ فَرْضُ الْوَقْتِ
لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الْأَصْلَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، وَأَثِمَ بِتَرْكِهَا، وَلَمْ تُجْزِهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَ إمْكَانِهَا، فَإِنَّ الْبَدَلَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ، بِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَبْدَالِ مَعَ مُبْدَلَاتِهَا، وَلِأَنَّ الظُّهْرَ لَوْ صَحَّتْ لَمْ تَبْطُلْ بِالسَّعْيِ إلَى غَيْرِهَا، كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ إذَا صَحَّتْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا، وَأَسْقَطَتْ الْفَرْضَ عَمَّنْ صَلَّاهَا، فَلَا يَجُوزُ اشْتِغَالُهَا بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ إذَا فُرِغَ مِنْهَا لَمْ تَبْطُلْ بِشَيْءٍ مِنْ مُبْطِلَاتِهَا، فَكَيْفَ تَبْطُلُ بِمَا لَيْسَ مِنْ مُبْطِلَاتِهَا، وَلَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ
فَأَمَّا إذَا فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَى الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطِهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي قَضَائِهَا، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى الظُّهْرِ عِنْدَ عَدَمِهَا، وَهَذَا حَالُ الْبَدَلِ (١٣٦٠)
فَصْلٌ: فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرِ، ثُمَّ شَكَّ: هَلْ صَلَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا؟ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّلَاةِ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَلِأَنَّهُ، صَلَّاهَا مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا، فَلَمْ تَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute