للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ، يَجُوزُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا كَانَ يَتَحَرَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَزْنِ، وَالْوَزْنُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَوَجْهُ الْجَوَازِ، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْجِيرَانَ يَسْتَقْرِضُونَ الْخُبْزَ وَالْخَمِيرَ، وَيَرُدُّونَ زِيَادَةً وَنُقْصَانًا. فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إنَّ ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقِ النَّاسِ، لَا يُرَادُ بِهِ الْفَضْلُ» . ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي " بِإِسْنَادِهِ. وَفِيهِ أَيْضًا، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ وَالْخَمِيرِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، إنَّمَا هَذَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَخُذْ الْكَبِيرَ وَأَعْطِ الصَّغِيرَ، وَخُذْ الصَّغِيرَ وَأَعْطِ الْكَبِيرَ، خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً. سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ذَلِكَ» . وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَيَشُقُّ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فِيهِ، وَتَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ، فَجَازَ، كَدُخُولِ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ، وَالرُّكُوبِ فِي سَفِينَةِ الْمَلَّاحِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا.

فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْرَضَهُ أَوْ أَجْوَدَ، أَوْ أَعْطَاهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ وَزَادَهُ كِسْرَةً، كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا. وَكَذَلِكَ إنْ أَقْرَضَهُ صَغِيرًا، قَصْدَ أَنَّ يُعْطِيَهُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِمَشَقَّةِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَإِذَا قَصَدَ أَوْ شَرَطَ أَوْ أَفْرَدَتْ الزِّيَادَةُ، فَقَدْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَحُرِّمَ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ.

[فَصْلٌ فِي قَرْضٍ شَرَطَ فِيهِ أَنَّ يَزِيدَهُ]

(٣٢٦٣) فَصْلٌ: وَكُلُّ قَرْضٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَزِيدَهُ، فَهُوَ حَرَامٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَلِّفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ زِيَادَةً أَوْ هَدِيَّةً، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رَبًّا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ الزِّيَادَةَ أَخْرَجَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الصِّفَةِ، مِثْلُ أَنْ يُقْرِضَهُ مُكَسَّرَةً، لِيُعْطِيَهُ صِحَاحًا، أَوْ نَقْدًا، لِيُعْطِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ. وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَكَانَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ، جَازَ.

وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَيْمُونُ بْنُ أَبِي شَبِيبٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرَطَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا سَفْتَجَةً لَمْ يَجُزْ، وَمَعْنَاهُ: اشْتِرَاطُ الْقَضَاءِ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُهَا؛ لِكَوْنِهَا مَصْلَحَةً لَهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ بِهَا إلَى مُصْعَبِ بْن الزُّبَيْرِ بِالْعِرَاقِ، فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا ابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ. رَوَاهُ كُلَّهُ سَعِيدٌ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ قَرْضَ مَالِ الْيَتِيمِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى لِيَرْبَح خَطَرَ الطَّرِيقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>