للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَجَبَ فِيهِ الْخُمْسُ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، كَالْغَنِيمَةِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ الْخُمُسَ يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فِي قَوْلِ إمَامِنَا، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ مَالٍ يَجِبْ فِيمَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْأَرْضِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ، كَالْمَعْدِنِ وَالزَّرْعِ. وَلَنَا، عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ لَهُ نِصَابٌ، كَالْغَنِيمَةِ، وَلِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَشْبَهَ الْغَنِيمَةَ، وَالْمَعْدِنُ وَالزَّرْعُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ وَنَوَائِبَ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ تَخْفِيفًا، بِخِلَافِ الرِّكَازِ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا مُوَاسَاةٌ، فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي الرِّكَازِ وَمَصْرِفِهِ]

(١٩٠٣) الْفَصْلُ الرَّابِعُ، فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ فِي الرِّكَازِ، وَمَصْرِفِهِ، أَمَّا قَدْرُهُ فَهُوَ الْخُمْسُ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَصْرِفُهُ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَقَالَ الْخِرَقِيِّ: هُوَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: يُعْطِي الْخُمْسَ مِنْ الرِّكَازِ عَلَى مَكَانِهِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ.

وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، أَمَرَ صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ. حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ حُمَمَةَ، قَالَ: سَقَطْت عَلَيَّ جَرَّةٍ مِنْ دَيْرٍ قَدِيمٍ بِالْكُوفَةِ، عِنْدَ جَبَّانَةِ بِشْرٍ، فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَذَهَبْت بِهَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: اقْسِمْهَا خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ. فَقَسَمْتهَا، فَأَخَذَ عَلِيٌّ مِنْهَا خُمْسًا، وَأَعْطَانِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ، فَلَمَّا أَدْبَرْت دَعَانِي، فَقَالَ: فِي جِيرَانِك فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: فَخُذْهَا فَاقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ.

وَلِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ، أَشْبَهَ الْمَعْدِنَ وَالزَّرْعَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ. نَقَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ أَحْمَدَ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَصَحُّ، وَأَقْيَسُ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمُزَنِيُّ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفَ دِينَارٍ مَدْفُونَةً خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَتَى بِهِمَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخَذَ مِنْهَا الْخَمْسَ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَدَفَعَ إلَى الرَّجُلِ بَقِيَّتَهَا، وَجَعَلَ عُمَرُ يَقْسِمُ الْمِائَتَيْنِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، إلَى أَنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلَةٌ، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ؟ فَقَامَ إلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: خُذْ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فَهِيَ لَكَ. وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةً خَصَّ بِهَا أَهْلَهَا، وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى وَاجِدِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَخْمُوسٌ زَالَتْ عَنْهُ يَدُ الْكَافِرِ، أَشْبَهَ خُمْسَ الْغَنِيمَةِ.

[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمْسُ فِي زَكَاة الرِّكَازِ]

(١٩٠٤) الْفَصْلُ الْخَامِسُ، فِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمْسُ. وَهُوَ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ، مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَحُرٍّ وَعَبْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>