وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْجَهْلِ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ عَقْدًا لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهِ، فَبَطَلِ خِيَارُهُ، كَمَا لَوْ أَجَازَ الْبَيْعَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ. وَإِنْ أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ، كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْت الْمَالَ كَثِيرًا تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ. لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَحُ بِذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ، فَإِذَا بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ، لَحِقَهُ الضَّرَرُ فِي الْإِجَازَةِ فَمَلَكَ الرُّجُوعَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
[فَصْلٌ لَا تَصِحُّ إجَازَةُ الْوَصِيَّةِ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ]
(٤٦٠٨) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَسَفَهٍ، فَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ، فَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ، كَالْهِبَةِ. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِفَلْسِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ هِبَةٌ. لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ هِبَةُ مَالِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ صَحَّتْ.
[مَسْأَلَةٌ أُوصِيَ لَهُ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ فَلَمْ يَمُتْ الْمُوصِي حَتَّى صَارَ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ وَارِثٍ]
(٤٦٠٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ، فَلَمْ يَمُتْ الْمُوصِي حَتَّى صَارَ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ وَارِثٍ، فَالْوَصِيَّةُ لَهُ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى لِثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لَهُ مُتَفَرِّقِينَ، وَلَا وَلَدَ لَهُ، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَلَدٌ، لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ، إلَّا بِالْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ، إذَا لَمْ تَتَجَاوَزْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ. وَإِنْ وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ، جَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ وَأَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ، فَيَكُونُ لَهُمَا ثُلُثَا الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ. وَبِهَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي، وَغَيْرُهُمْ. وَلَا نَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُمْ، وَلَهُ ابْنٌ، فَمَاتَ ابْنُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبَوَيْهِ، وَلَا لِأَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ، وَجَازَتْ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ. فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ، لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا.
[فَصْلٌ أَوْصَى لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَوْصَتْ لَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا]
(٤٦١٠) فَصْلٌ: وَلَوْ أَوْصَى لِامْرَأَةِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أَوْصَتْ لَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُمَا إلَّا بِالْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ أَوْصَى أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، جَازَتْ الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، إلَّا أَنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا لِيُوصِلَ إلَيْهَا مَالَهُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَمْ يُنَفَّذْ لَهَا ذَلِكَ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ تَرِثُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute