فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لَا يُعْلَمُ سَبَبُهَا، فَكَفَّرَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، أَجْزَأَهُ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّكْفِيرُ بِعَدَدِ أَسْبَابِ الْكَفَّارَاتِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ عَنْ سَبَبٍ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ يَوْمٍ، لَا يَعْلَمُ أَمِنَ قَضَاءٍ هُوَ، أَوْ نَذْرٍ، لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمَيْنِ. فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لَا يَدْرِي أَهِيَ مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ، لَزِمَهُ صَوْمُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ، كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ.
[فَصْل كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ كَفَّارَتَانِ فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا عَبْدَيْنِ]
(٦٢٣٠) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ عَلَى رَجُلٍ كَفَّارَتَانِ، فَأَعْتَقَ عَنْهُمَا عَبْدَيْنِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدهَا، أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عَنْ هَذِهِ. فَيُجْزِئُهُ، إجْمَاعًا. الثَّانِي، أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْت هَذَا عَنْ إحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ، وَهَذَا عَنْ الْأُخْرَى. مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، فَيَنْظُرُ؛ فَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَكَفَّارَتَيْ ظِهَارٍ، أَوْ كَفَّارَتَيْ قَتْلٍ، أَجْزَأَهُ.
وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ، كَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ، وَكَفَّارَةِ قَتْلٍ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ السَّبَبِ؛ إنْ قُلْنَا: يُشْتَرَطُ. لَمْ يُجْزِئْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُشْتَرَطُ. أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا. الثَّالِثُ، أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَتَيْنِ. فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا، وَيَقَعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَلِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ، خُرِّجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. الرَّابِعُ - أَنْ يَعْتِقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا، فَيَكُونَ مُعْتِقًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ، فَيَنْبَنِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَتَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا؟ فَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ بِمَنْزِلَةِ الْأَشْخَاصِ، فِيمَا لَا يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَيْبُ الْيَسِيرُ، بِدَلِيلِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ مَنْ مَلَكَ نِصْفَ ثَمَانِينَ شَاةً، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَلَكِ أَرْبَعِينَ، وَلَا تَلْزَمُ الْأُضْحِيَّةُ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ الْعَيْبُ الْيَسِيرُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ: لَا يُجْزِئُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَا أُمِرَ بِصَرْفِهِ إلَى شَخْصٍ فِي الْكَفَّارَةِ، لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ عَلَى اثْنَيْنِ، كَالْمُدِّ فِي الْإِطْعَامِ وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَهُمْ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا، حَصَلَ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَالتَّصَرُّفُ. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَجْهًا لَنَا أَيْضًا، إلَّا أَنَّ لِلْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ تَكْمِيلَ الْأَحْكَامِ مَا حَصَلَ بِعِتْقِ هَذَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِانْضِمَامِهِ إلَى عِتْقِ النِّصْفِ الْآخَرِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ. فَإِذَا قُلْنَا: لَا يُجْزِئُ. عِتْقُ النِّصْفَيْنِ. لَمْ يُجْزِئْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ. وَإِنْ قُلْنَا: يُجْزِئُ. وَكَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute