وَإِنْ أُعْطِيَ الْمُعَلِّمُ أَجْرًا عَلَى تَعْلِيمِ الصَّبِيِّ الْخَطَّ وَحِفْظِهِ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ الْمُعْطِي يَنْوِي أَنْ يُعْطِيَهُ لِحِفْظِ الصَّبِيِّ وَتَعْلِيمِهِ، فَأَرْجُو إذَا كَانَ كَذَا. وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ مُفْرَدًا، فَجَازَ مَعَ غَيْرِهِ، كَسَائِرِ مَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَ إمَامُ الْمَسْجِدِ قَيِّمًا لَهُ، يُسْرِجُ قَنَادِيلَهُ، وَيَكْنُسُهُ، وَيُغْلِقُ بَابَهُ وَيَفْتَحُهُ، فَأَخَذَ أَجْرًا عَلَى خِدْمَتِهِ، أَوْ كَانَ النَّائِبُ فِي الْحَجِّ يَخْدِمُ الْمُسْتَنِيبَ لَهُ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، وَيَشُدُّ لَهُ، وَيَرْفَعُ حِمْلَهُ، وَيَحُجُّ عَنْ أَبِيهِ، فَدَفَعَ لَهُ أَجْرًا لِخِدْمَتِهِ، لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ حُكْم إجَارَة مَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ كَتَعْلِيمِ وَغَيْرِهِ]
(٤٣٢٥) فَصْلٌ: وَمَا لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، كَتَعْلِيمِ الْخَطِّ وَالْحِسَابِ وَالشِّعْرِ الْمُبَاحِ، وَأَشْبَاهِهِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ تَارَةً قُرْبَةً، وَتَارَةً غَيْرَ قُرْبَةٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِفِعْلِهِ، كَغَرْسِ الْأَشْجَارِ، وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ. وَكَذَلِكَ فِي تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فَاعِلَهُ مِنْ الْعِبَادَات الْمَحْضَةِ، كَالصِّيَامِ، وَصَلَاةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَحَجِّهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَدَاءِ زَكَاةِ نَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عِوَضُ الِانْتِفَاعِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ هَاهُنَا انْتِفَاعٌ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجْرِ]
(٤٣٢٦) فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجْرِ، فَقَالَ: آجَرْتَنِيهَا سَنَةً بِدِينَارٍ. قَالَ: بَلْ بِدِينَارَيْنِ. تَحَالَفَا، وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْآجِرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، فَإِذَا تَحَالَفَا قَبْلَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ فَسَخَا الْعَقْدَ، وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ. وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْآخَرُ، قَرَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ فَسَخَا الْعَقْدَ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا، سَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ تَلَفِهِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَمِلَ الْعَمَلَ، وَإِنْ كَانَ عَمِلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْرِ مِثْلِهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَجْرِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، فَيَتَحَالَفَانِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي عِوَضِهَا، كَالْبَيْعِ، وَكَمَا قَبِلَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ» . وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِوَضِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute