للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَعِدْنَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت، لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ، وَجَعَلْتهَا عُمْرَةً» .

وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ آخِرُ طَوَافِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عِنْدَ الصَّفَا، فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَائِفٌ بِهِمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَسِبَ بِذَلِكَ مَرَّةً، كَمَا أَنَّهُ إذَا طَافَ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ احْتَسَبَ بِهِ مَرَّةً.

[مَسْأَلَة يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتَتِمُ بِالْمَرْوَةِ]

(٢٤٧٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَفْتَتِحُ بِالصَّفَا، وَيَخْتَتِمُ بِالْمَرْوَةِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي السَّعْي، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأ بِالصَّفَا، فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ، فَإِذَا صَارَ عَلَى الصَّفَا اعْتَدَّ بِمَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ) .

وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] . فَبَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: اتَّبِعُوا الْقُرْآنَ، فَمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَابْدَءُوا بِهِ.

[مَسْأَلَة نَسِيَ الرَّمَلَ فِي بَعْضِ سَعْيِهِ]

(٢٤٨٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ نَسِيَ الرَّمَلَ فِي بَعْضِ سَعْيِهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعَى، وَسَعَى أَصْحَابُهُ، فَرَوَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، عَنْ أُمِّ وَلَدِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَا يُقْطَعُ الْأَبْطَحُ إلَّا شَدًّا» . وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ؛ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: إنَّ أَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى، وَإِنْ أَمْشِي، فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَى هَذَا أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوْلَى.

[فَصْل فِي السَّعْيِ هَلْ هُوَ رُكْن أُمّ لَا]

(٢٤٨١) فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي السَّعْيِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ رُكْنٌ، لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ، وَعُرْوَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ - يَعْنِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - فَكَانَتْ سُنَّةً» ، فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ «حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْرَاةَ، إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، قَالَتْ: دَخَلْت مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنٍ، نَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ فِي وَسَطِهِ مِنْ شِدَّةِ سَعْيِهِ، حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: إنِّي لَأَرَى رُكْبَتَيْهِ. وَسَمِعْته يَقُولُ: اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَكَانَ رُكْنًا فِيهِمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>