[فَصْلٌ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَة وَالْوَاشِرَةَ والمستوشرة]
(١١٤) فَصْلٌ: وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ.» فَهَذِهِ الْخِصَالُ مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ فَاعِلَهَا وَلَا يَجُوزُ لَعْنُ فَاعِلِ الْمُبَاحِ. وَالْوَاصِلَةُ: هِيَ الَّتِي تَصِلُ شَعْرَهَا بِغَيْرِهِ، أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا. وَالْمُسْتَوْصِلَةُ: الْمَوْصُولُ شَعْرُهَا بِأَمْرِهَا، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْخَبَرِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ ابْنَتِي عِرْسٌ وَقَدْ تَمَزَّقَ شَعْرُهَا، أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لُعِنَتْ الْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ» .
فَلَا يَجُوزُ وَصْلُ شَعْرِ الْمَرْأَةِ بِشَعْرٍ آخَرَ؟ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ «أَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعْرٍ، فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَقَالَ: إنَّمَا هَلَكَ بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذَا نِسَاؤُهُمْ.» وَأَمَّا وَصْلُهُ بِغَيْرِ الشَّعْرِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا تَشُدُّ بِهِ رَأْسَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فِي تَخْصِيصِ الَّتِي تَصِلُهُ بِالشَّعْرِ، فَيُمْكِنُ جَعْلُ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلَّفْظِ الْعَامِّ، وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَصِلُ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا الشَّعْرَ وَلَا الْقَرَامِلَ وَلَا الصُّوفَ، نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوِصَالِ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَصِلُ فَهُوَ وِصَالٌ، وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا» .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُمَشِّطُونَ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَتْ: إنِّي أَصِلُ رَأْسَ الْمَرْأَةِ بِقَرَامِلَ وَأُمَشِّطُهَا، فَتَرَى لِي أَنْ أَحُجَّ مِمَّا اكْتَسَبْت؟ قَالَ: لَا وَكَرِهَ كَسْبَهَا، وَقَالَ لَهَا: يَكُونُ مِنْ مَالٍ أَطْيَبَ مِنْ هَذَا. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْمُحَرَّمَ إنَّمَا هُوَ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَاسْتِعْمَالِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلَفِ فِي نَجَاسَتِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ، لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهَا، وَحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ تَحْسِينِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(١١٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا النَّامِصَةُ: فَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُتَنَمِّصَةُ: الْمَنْتُوفُ شَعْرُهَا بِأَمْرِهَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْخَبَرِ. وَإِنْ حَلَقَ الشَّعْرَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا وَرَدَ فِي النَّتْفِ. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ وَأَمَّا الْوَاشِرَةُ: فَهِيَ الَّتِي تَبْرُدُ الْأَسْنَانَ بِمِبْرَدٍ وَنَحْوِهِ؛ لِتُحَدِّدَهَا وَتُفَلِّجَهَا وَتُحَسِّنَهَا، وَالْمُسْتَوْشِرَةُ: الْمَفْعُولُ بِهَا ذَلِكَ بِإِذْنِهَا، وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» . وَالْوَاشِمَةُ: الَّتِي تَغْرِزُ جِلْدَهَا بِإِبْرَةٍ، ثُمَّ تَحْشُوهُ كُحْلًا. وَالْمُسْتَوْشِمَةُ: الَّتِي يُفْعَلُ بِهَا ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute