وَلَنَا أَنَّهُ مَالٌ مُؤَجَّلٌ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ أَجَلِهِ مِنْ حِينِ وُجُوبِهِ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَالسَّلَمِ، وَلَا نُسَلِّمُ الْخِلَافَ فِيهَا، فَإِنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةَ نَفْسٍ، فَابْتِدَاءُ حَوْلِهَا مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا مُوجِبًا، أَوْ عَنْ سِرَايَةِ جُرْحٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةَ جُرْحٍ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ عَنْ جُرْحٍ انْدَمَلَ مِنْ غَيْرِ سِرَايَةٍ، مِثْلَ أَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَبَرَأَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَهُوَ ذِمِّيٌّ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ انْدَمَلَتْ، وَجَبَ نِصْفُ دِيَةِ يَهُودِيٍّ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْجُرْحُ سَارِيًا، مِثْلَ أَنْ قَطَعَ إصْبَعَهُ فَسَرَى ذَلِكَ إلَى كَفِّهِ، ثُمَّ انْدَمَلَ، فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهَا إذَا سَرَتْ، فَمَا اسْتَقَرَّ الْأَرْشُ إلَّا عِنْدَ الِانْدِمَالِ. هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ: أَبُو الْخَطَّابِ تُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَسْتَقِرُّ إلَّا بِالِانْدِمَالِ فِيهِمَا.
[فَصْلٌ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ]
(٦٧٨٤) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةً فَإِنَّهَا تُقْسَمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ دِيَةَ النَّفْسِ أَوْ دِيَةَ الطَّرَفِ، كَدِيَةِ جَدْعِ الْأَنْفِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ، أَوْ قَطْعِ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَيَيْنِ. وَإِنْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، كَدِيَةِ الْمَأْمُومِ أَوْ الْجَائِفَةِ، وَجَبَ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يَجِبُ مِنْهُ شَيْءٌ حَالًّا لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الدِّيَة أَوْ ثُلُثَهَا، كَدِيَةِ الْيَدِ أَوْ دِيَةِ الْمَنْخِرَيْنِ، وَجَبَ الثُّلُثُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى، وَالْبَاقِي فِي آخِرِ السَّنَةِ الثَّانِيَة.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ كَدِيَةِ ثَمَانِ أَصَابِعَ، وَجَبَ الثُّلُثَانِ فِي السَّنَتَيْنِ، وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّالِثَةِ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ مِثْلَ أَنْ ذَهَبَ سَمْعُ إنْسَانٍ وَبَصَرُهُ، فَفِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ، لَمْ يَنْقُصْ فِي السَّنَةِ عَنْ الثُّلُثِ، فَكَذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْجِنَايَةِ عَلَى اثْنَيْنِ، وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ دِيَةٌ، فَيَسْتَحِقُّ ثُلُثَهَا، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ حَقُّهُ. وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، كَدِيَةِ الْإِصْبَعِ، لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَيَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ لَا تَحْمِلُهُ، فَكَانَ حَالًّا؛ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ.
[فَصْلٌ الدِّيَة النَّاقِصَة]
(٦٧٨٥) فَصْلٌ: وَفِي الدِّيَةِ النَّاقِصَةِ، كَدِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّ، وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: تُقْسَمُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ النَّفْسِ، فَأَشْبَهْت الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ. وَالثَّانِي، يَجِبُ مِنْهَا فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ قَدْرُ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَبَاقِيهَا فِي الْعَامِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَنْقُصُ عَنْ الدِّيَةِ، فَلَمْ تُقْسَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute