فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ، لِأَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ فِي الْحَالِ الَّتِي زَادَتْ فِيهَا، وَالزِّيَادَةُ لِمَالِكِهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً حِينَ تَلَفِهَا، لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا زَائِدَةً، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً قَبْلَ تَلَفِهَا، ثُمَّ نَقَصَتْ عِنْدَ تَلَفِهَا، لَزِمَهُ قِيمَتُهَا حِينَ كَانَتْ زَائِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا نَاقِصَةً لَلَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِهَا، وَهُوَ بَدَلَ الزِّيَادَةِ، فَإِذَا ضَمِنَ الزِّيَادَةَ مَعَ رَدِّهَا، ضَمِنَهَا عِنْدَ تَلَفِهَا، فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهَا لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ، لَمْ يَضْمَنْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ لِذَلِكَ لَا يُضْمَنُ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ، فَلَا يُضْمَنُ عِنْدَ تَلَفِهَا.
وَحَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْخِرَقِيِّ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ فِيهِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا ضَمِنَهَا، كَقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ الْقِيمَةُ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَتُفَارِقُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ زِيَادَةَ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ تِلْكَ تُضْمَنُ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ مَعَ تَلَفِهَا، وَهَذِهِ لَا تُضْمَنُ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ، فَكَذَلِكَ مَعَ تَلَفِهَا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا سَقَطَتْ بِرَدِّ الْعَيْنِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَمَا سَقَطَتْ بِالرَّدِّ، كَزِيَادَةِ السِّمَنِ وَالتَّعَلُّمِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً بِأَنَّهَا تُضْمَنُ بِأَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ؛ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ. فَعَلَى هَذَا تُضْمَنُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي أَزَالَ يَدَهُ عَنْهُ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حِينَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ دُونَ قِيمَتِهَا، فَاعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْحَالَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهُ. وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْمَغْصُوبِ غَصْبٌ، فَإِنَّهُ فِعْلٌ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِيَوْمِ الْغَصْبِ، فَقَالَ الْخَلَّالُ: جَبُنَ أَحْمَدُ عَنْهُ. كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ.
[فَصْلٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّات فَتَلِفَ]
(٣٩٨٢) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَتَلِفَ، وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهِ فَإِنْ فُقِدَ الْمِثْلُ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ. وَقَالَ الْقَاضِي: تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ إلَى حِينِ قَبْضِ الْبَدَلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ بَعْدَ فَقْدِهِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ دُونَ الْقِيمَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّ: تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْمُحَاكَمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى ذِمَّتِهِ إلَّا حِينَ حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ، كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute