وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي " الْإِرْشَادِ " مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ، قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ لَمْ يَثْبُتْ النَّهْيُ فِيهِ صَرِيحًا، فَكَانَ حُكْمُهُ خَفِيفًا.
[فَصْلٌ قَضَاءُ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهَا]
(١٠٣٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا قَضَاءُ سُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهَا فَجَائِزٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ اخْتَارَ أَنْ يَقْضِيَهُمَا مِنْ الضُّحَى، وَقَالَ: إنْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَ، وَأَمَّا أَنَا فَأَخْتَارُ ذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِيهِمَا بَعْدَهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ، قَالَ: «رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ يَا قَيْسُ؟ . قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَسُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهَذِهِ فِي مَعْنَاهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ سَبَبٍ، فَأَشْبَهَتْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَجُوزُ؛ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْضِيهِمَا مِنْ الضُّحَى، وَحَدِيثُ قَيْسٍ مُرْسَلٌ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَيْسٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. قَالَ: فَلَا إذًا» .
وَهَذَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا كَانَ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِ الضُّحَى أَحْسَنَ؛ لِنَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَلَا نُخَالِفُ عُمُومَ الْحَدِيثِ، وَإِنْ فَعَلَهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَقْصُرُ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجَوَازِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ قَضَاء السنن الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ]
(١٠٣١) فَصْلٌ: وَأَمَّا قَضَاءُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ، فَإِنَّهُ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ بَعْدَهَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالِاقْتِدَاءُ بِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَيَّنٌ. وَلِأَنَّ النَّهْيِ بَعْدَ الْعَصْرِ خَفِيفٌ؛ لِمَا رُوِيَ فِي خِلَافِهِ مِنْ الرُّخْصَةِ، وَمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ: إنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا لِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا عَلَى الدَّوَامِ، وَيَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَمَنَعَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ، فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ أَنَّهَا لَا تُقْضَى؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا. فَقُلْت لَهُ: أَنَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَتَا؟ قَالَ: لَا» . رَوَاهُ ابْنُ النَّجَّارِ، فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ حَدِيثِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute