فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: " هَلْ أَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ اللَّيْلَةَ؟ قَالُوا: لَا. فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ، حَتَّى إذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ، قَالَ: " أَبْشِرُوا، قَدْ جَاءَكُمْ فَارِسُكُمْ ". فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي انْطَلَقْت حَتَّى كُنْت فِي أَعْلَى هَذَا الشِّعْبِ، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَصْبَحْت اطَّلَعْت الشِّعْبَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَنَظَرْت، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " هَلْ نَزَلْت اللَّيْلَةَ؟ " قَالَ: لَا، إلَّا مُصَلِّيًا أَوْ قَاضِيًا حَاجَةً. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ أَوْجَبْت، فَلَا عَلَيْك أَنْ لَا تَعْمَلَ بَعْدَهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «حَرْسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ، قِيَامِ لَيْلِهَا، وَصِيَامِ نَهَارِهَا» . رَوَاهُ ابْنُ سَنْجَرٍ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ الْمُتَطَوِّع لِلْجِهَادِ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ]
(٧٤٣١) : (وَإِذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ، لَمْ يُجَاهِدْ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِهِمَا) رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُجَاهِدُ؟ فَقَالَ: أَلَك أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ.» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَالَ: جِئْت أُبَايِعُك عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا.» وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، «أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ لَك بِالْيَمَنِ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَبَوَايَ. قَالَ: أَذِنَّا لَك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَارْجِعْ، فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا.» رَوَاهُنَّ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَالْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفَرْضُ الْعَيْنِ يُقَدَّمُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ أَبَوَاهُ غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ، فَلَا إذْنَ لَهُمَا. وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَغْزُو إلَّا بِإِذْنِهِمَا؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. وَلَنَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يُجَاهِدُونَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا؛ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عَتَبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ، كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَبُوهُ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمئِذٍ، قُتِلَ بِبَدْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا} [المجادلة: ٢٢] . الْآيَةَ، وَعُمُومُ الْأَخْبَارِ مُخَصَّصٌ بِمَا رَوَيْنَاهُ فَأَمَّا إنْ كَانَ أَبَوَاهُ رَقِيقَيْنِ، فَعُمُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute