يَكُنْ لَهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ الْمَالِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَإِنْ حَلَفَ عَبْدٌ، وَحَنِثَ وَهُوَ حُرٌّ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَمَا وَجَبَتْ إلَّا وَهُوَ حُرٌّ.
[فَصْلٌ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ حُكْمُهُ فِي التَّكْفِيرِ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(٨٠٥٥) فَصْلٌ: مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، حُكْمُهُ فِي التَّكْفِيرِ حُكْمُ الْحُرِّ الْكَامِلِ، فَإِذَا مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ مَا لَا يُكَفِّرُ بِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الصِّيَامُ، وَلَهُ التَّكْفِيرُ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ دُونَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، أَشْبَهَ الْقِنَّ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] . وَهَذَا وَاجِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ الْكَامِلَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، ثُمَّ إنَّ امْتِنَاعَ بَعْضِ أَحْكَامِهِ، لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، كَعِتْقِ الْمُسْلِمِ رَقِيقَهُ الْكَافِرَ.
[مَسْأَلَةٌ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا]
(٨٠٥٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ مَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، مِقْدَارُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا انْتَقَلَ إلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَجِدَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، قَدْرًا يُكَفِّرُ بِهِ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَنَحْوُهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ، أَجْزَأَهُ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ. وَلِأَنَّ النَّخَعِيّ قَالَ: إذَا كَانَ مَالِكًا لِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَلَهُ الصِّيَامُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: لَا يَصُومُ مَنْ مَلَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَلِمَنْ يَمْلِكُ دُونَهَا الصِّيَامُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إذَا لَمْ يَمْلِكْ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، كَفَّرَ بِهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: دِرْهَمَيْنِ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ نَحْوُ قَوْلِنَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ لِلصِّيَامِ أَنْ لَا يَجِدَ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] وَمَنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، فَهُوَ وَاجِدٌ، فَيَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْفَاضِلُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ.
[فَصْلٌ مَلَكَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ وَهُوَ مُطَالَبًا بِهِ]
(٨٠٥٧) فَصْلٌ: فَلَوْ مَلَكَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالْكَفَّارَةُ حَقٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute