[فَصْلُ ابْتِلَاع الصَّائِم النُّخَامَةَ]
(٢٠٢٣) فَصْلٌ: وَإِنْ ابْتَلَعَ النُّخَامَةَ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ، إحْدَاهُمَا، يُفْطِرُ. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إذَا تَنَخَّمَ، ثُمَّ ازْدَرَدَهُ، فَقَدْ أَفْطَرَ. لِأَنَّ النُّخَامَةَ مِنْ الرَّأْسِ تَنْزِلُ، وَالرِّيقَ مِنْ الْفَمِ. وَلَوْ تَنَخَّعَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ ازْدَرَدَهُ، أَفْطَرَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهَا، أَشْبَهَ الدَّمَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْفَمِ، أَشْبَهَ الْقَيْءَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُفْطِرُ. قَالَ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَيْسَ عَلَيْك قَضَاءٌ إذَا ابْتَلَعْتَ النُّخَامَةَ وَأَنْتَ صَائِمٌ. لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي الْفَمِ، غَيْرُ وَاصِلٍ مِنْ خَارِجٍ، أَشْبَهَ الرِّيقَ.
[فَصْلُ سَالَ فَمُ الصَّائِم دَمًا أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَلْسٌ أَوْ قَيْء]
(٢٠٢٤) فَصْلٌ: فَإِنْ سَالَ فَمُهُ دَمًا، أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ قَلْسٌ أَوْ قَيْءٌ، فَازْدَرَدَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا؛ لِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ حُصُولُ الْفِطْرِ بِكُلِّ وَاصِلٍ مِنْهُ، لَكِنَّ عُفِيَ عَنْ الرِّيقِ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ فِيهِ، وَبَقِيَ فَمُهُ نَجِسًا، أَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ، فَابْتَلَعَ رِيقَهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُنَجَّسِ أَفْطَرَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ، وَإِلَّا فَلَا.
[فَصْلُ لَا يُفْطِرُ بِالْمَضْمَضَةِ]
(٢٠٢٥) فَصْلٌ: وَلَا يُفْطِرُ بِالْمَضْمَضَةِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْت مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْت: لَا بَأْسَ. قَالَ: فَمَهْ» ؟ . وَلِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ، فَلَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْوَاصِلِ إلَيْهِ، كَالْأَنْفِ وَالْعَيْنِ. وَإِنْ تَمَضْمَضَ، أَوْ اسْتَنْشَقَ فِي الطَّهَارَةِ، فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا إسْرَافٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى جَوْفِهِ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، فَأَفْطَرَ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ شُرْبَهُ.
وَلَنَا أَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا قَصْدٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ إلَى حَلْقِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُتَعَمِّدَ. فَأَمَّا إنَّ أَسْرَفَ فَزَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، أَوْ بَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute