للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إلَى الَّذِي لَهُ الْبُدَاءَةُ، فَيَتْبَعُهُ الْآخَرُ، فَإِذَا كَانَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَقَفَ حَيْثُ شَاءَ، وَيَتْبَعُهُ الْأَوَّلُ.

[فَصْل عَقْدُ النِّضَالِ عَلَى جَمَاعَةٍ]

(٧٩٢٤) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ عَقْدُ النِّضَالِ عَلَى جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى أَصْحَابٍ لَهُ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ: ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ. فَأَمْسَكَ الْآخَرُونَ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ؟ قَالَ: ارْمُوا، وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ، جَازَ أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ، وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْجَمَاعَتَيْنِ، فَجَازَ، كَمَا فِي سِبَاقِ الْخَيْلِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ، وَسَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ. فَإِنْ عَقَدَ النِّضَالَ جَمَاعَةٌ لِيَتَنَاضَلُوا حِزْبَيْنِ. فَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّهُ يَجُوزُ.

وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وَقَبْلَ التَّفَاضُلِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحِزْبَيْنِ. فَعَلَى هَذَا، إذَا تَفَاضَلُوا، عَقَدُوا النِّضَالَ بَعْدَهُ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، يَجُوزُ الْعَقْدُ قَبْلَ التَّفَاضُلِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمُوا بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا وَقَعَتْ عَلَى الْحُذَّاقِ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ، وَعَلَى الْكَوَادِنِ فِي الْآخَرِ، فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضَالِ، بَلْ يَكُونُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ، فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا، ثُمَّ يَخْتَارُ الْآخَرُ وَاحِدًا كَذَلِكَ، حَتَّى يَتَفَاضَلُوا جَمِيعًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْخِيَارُ إلَى أَحَدِهِمَا فِي الْجَمِيعِ، وَلَا أَنْ يَخْتَارَ جَمِيعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْحُذَّاقَ كُلَّهُمْ فِي حِزْبِهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ رَئِيسُ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى حِزْبِهِ، فَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ التَّسَاوِي.

وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالْخِيَارِ مِنْهُمَا، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا أَخْتَارُ أَوَّلًا، وَأُخْرِجُ السَّبَقَ، أَوْ يُخْرِجُهُ أَصْحَابِي. لَمْ يَحُزْ لِأَنَّ السَّبَقَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالسَّبْقِ لَا فِي مُقَابَلَةِ تَفَضُّلِ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ.

[فَصْلٌ أَخْرُجْ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ السَّبَقَ مِنْ عِنْدِهِ فَسَبَقَ حِزْبُهُ]

(٧٩٢٥) فَصْلٌ: وَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُ الزَّعِيمِينَ السَّبَقَ مِنْ عِنْدِهِ، فَسَبَقَ حِزْبُهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى حِزْبِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَهُمْ. وَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَكُونُ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ بِالسَّوِيَّةِ، مَنْ أَصَابَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا أَنَّهُ عَلَى الْحِزْبِ الْآخَرِ بِالسَّوِيَّةِ. وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْإِصَابَةِ. وَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>