الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِالْعِوَضِ. وَلَنَا أَنَّهَا اسْتَدْعَتْ مِنْهُ الطَّلَاقَ بِالْعِوَضِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَتْ: رُدَّ عَبْدِي وَلَك أَلْفٌ. فَرَدَّهُ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِالْعِوَضِ. غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَلَك أَلْفٌ عِوَضًا عَنْ طَلَاقِي. فَإِنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَضَرَّتِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ عَلَيْنَا. فَطَلَّقَهَا وَحْدَهَا، طَلُقَتْ، وَعَلَيْهَا قِسْطُهَا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ الِاثْنَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدَيْنِ، وَخُلْعَهُ لِلْمَرْأَتَيْنِ بِعِوَضٍ عَلَيْهِمَا خُلْعَانِ، فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ أَحَدُهُمَا صَحِيحًا مُوجِبًا لِلْعِوَضِ دُونَ الْآخِرِ. وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْهَا وَحْدَهَا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، كَانَ عَقْدًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَقْدَيْنِ.
[فَصْلٌ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا]
(٥٧٨٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ. وَلَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، بَانَتْ بِثَلَاثٍ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَسْتَحِقُّ الْأَلْفَ، عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ. وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ثُلُثَ الْأَلْفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا ثُلُثَ مَا طَلَبَتْ مِنْهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا ثُلُثَ الْأَلْفِ، كَمَا لَوْ كَانَ طَلَاقُهَا ثَلَاثًا. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا طَلْقَةٌ، اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ، كَقَوْلِ الْمُزَنِيّ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَالِمَةً، كَانَ مَعْنَى كَلَامِهَا كَمِّلْ لِي الثَّلَاثَ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا، أَنَّ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ كَمَّلَتْ الثَّلَاثَ، وَحَصَّلَتْ مَا يَحْصُلُ بِالثَّلَاثِ مِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَتَحْرِيمِ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ بِهَا الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا.
[فَصْلٌ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ فَقَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ وَاحِدَةً أُبِينُ بِهَا]
(٥٧٨٤) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَلَاقِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ وَاحِدَةً أَبِينُ بِهَا، وَاثْنَتَيْنِ فِي نِكَاحٍ آخَرَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثٍ، فَإِذَا لَمْ يُوقِعْ الثَّلَاثَ، لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ ذَاتَ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ، فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا. فَلَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا وَاحِدَةً، وَمُقْتَضَى هَذَا، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْكِحْهَا نِكَاحًا آخَرَ، أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ نِكَاحُهُ إيَّاهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. وَإِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا آخَرَ وَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا وَاحِدَةً، رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ كُلِّهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي الطَّلْقَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي طَلَاقٍ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الطَّلَاقِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute